الكتابة عن الوزير السموأل خلف الله لا تنفصل عن مفهوم الثقافة البتة.. فالرجل مهموم بالحراك الثقافي ويكاد يتنفس عبيرها.. الثقافة بفضل السموأل الإنسان ارتقت إلى تنمية الإحساس والذوق، بل أصبحت هماً يتعاطاه الإنسان السوداني مع الخبز والسكر والدواء.. وتصبح من أولوياتك اكتشاف ما بداخلك من جواهر تغرقها في تفاصيل الأشياء لتبدو قصيدة تلمع قوافيها من الإبهار أو مقطع يرسم على رمل المسافة أغنية تتهدج من الصبابة. الجميع يذكرون بيت الثقافة.. ذلك الجدار التاريخي الذي ارتشف الإبداع طيوفاً من نار.. كان السموأل هو عراب جذوة التاريخ والأدب والتراث والفن.. أصبح مثل غيمات المطر أينما وُجد همّت السماء بالفيض والعطاء والأمنيات، وكانت أروقة مثل أقصوصة حلم نحكيها للحبوبات في جلسة قهوة.. أو شمعة تسرج من خيول الليل أحجية للمرهقين.. عندما أكتب عن السموأل الفنان أحس بأن شهادتي فيه مجروحة، لأني أعرفه تماماً.. يجتهد في سبيل أن يثمر التزاوج بين الحضارة والتراث طفلاً يبدو الإشراق بين عينيه وتتماهى الثقافة على صفاء عقله. وإذا تحدثنا عن السموأل الورع الصالح يبدو السمت غرة على جبهته.. نظيفاً شريفاً ورعاً.. أما إذا تحدثنا عن السموأل الوزير فهو يباغتك بالتواضع وحسن الصلات، فلم تغيره المناصب ولم تبهرجه المواقع، فما زال يحتفظ بأجندته القديمة.. يتواصل مع الآخرين بإلفة وحميمية.. الأماسي كانت هي الرهان والتحدي الذي أجبر الآخرين على التفاعل مع الأحداث الثقافية والفنية رغم أنف المتغيرات. أماسي الخرطوم الموسيقية.. وأماسي أم در المقامة حالياً تظل أعظم استفتاء على نجاح رجل مغسول بالإبداع مسقي برحيق الثقافة.. وما بين الرصافة والجسر ظل الأعداء يترصدونه، ودائماً الأشجار المثمرة يقذفها المتربصون بالحجارة فترمي ثمراً.. وما زلت أعتبره مقياساً لفرز معادن الناس.. فإن من يحارب.. يحارب الإبداع والفن ونفسه مجبولة على القبح.. أكتب هذا الكلام وأحس بأن مفرداتي لا توفي الرجل حقه فهو مثل البحر عطاياه على الشط ويمنح السماء عافية المطر والبهاء.