حرية التعبير ظلت من القضايا المهمة التي شكلت تحدياً كبيراً لكل المهتمين بالشأن الإعلامي بكل أنواعه، باعتبارها حلقة مفقودة في عملية الاتصال الإعلامي وغير واضحة، رغم وجود الكثير من القوانين، لكنها مازالت تبحث عن نصوص تتيح العمل دون عوائق أو كوابح أو تعارض من قوانين أخرى، في ظل نظام حكم مستقر متوافق عليه.. في هذا الإطار نظمت لجنة الإعلام والثقافة والشباب والرياضة بالمجلس الوطني ندوة بالتعاون مع رابطة الإعلاميين السودانيين حول أبعاد حرية التعبير في المجتمعات النامية، قدم فيها الخبراء أوراقاً متعددة حول المهنية الإعلامية والصحفية لأبعاد حرية التعبير، والأبعاد السياسية لحرية التعبير، والإطار القانوني والتشريعي في السودان لحرية التعبير.. الأستاذ فتحي شيلا رئيس لجنة الإعلام والثقافة والشباب والرياضة بالمجلس القومي أشاد بالندوة وأهميتها في ظل الظروف الراهنة، وأكد في حديثه بأن اللجنة ملزمة بتعديل قانون الصحافة والمطبوعات لأن به مواد بها صلة بالجنوب، لذلك لزم إسقاطها وتعديله بعد تقديمه للبرلمان، وقال إن هذا القانون أثنى عليه السيد الرئيس عمر البشير، وأشاد بمساعي اللجنة فيه، وهو قانون يحتاج فقط إلى التطبيق، مؤكداً أن هناك حريات في السودان الآن، أفضل من الأعوام السابقة ، وأن التغيرات التقنية تجاوزت مسألة الرقابة، وقال: إن المرحلة التاريخية تجاوزتها، وإن القضية الأساسية هي العمل وفق رؤية كلية قومية استراتيجية للدولة. وأكد د. الخير عمر أحمد سليمان خبير الإعلام في ورقته التي قدمها خلال ندوة أبعاد حرية التعبير في المجتمعات النامية- التي أقيمت بالمجلس الوطني ونظمتها لجنة الإعلام والثقافة والشباب والرياضة بالتعاون مع رابطة الإعلاميين السودانيين- أن حرية التعبير لها أبعادها وتأثيرها على الحياة السياسية والاجتماعية. وقال إنه ليس هناك اتفاق على تجربة الرقابة في السودان، رغم وجود دواعٍ لذلك، ولكن في كثير من الأحيان المعيار الذي تُحدد على أساسه درجة التهديد الأمني أو الممارسة الإعلامية ضد الأمن القومي، يكون أفضل لو خرج بعد نقاش عميق ورؤية كلية تحدد ماهو الأمن القومي السوداني، وما هي العوامل المؤثرة عليه، وما هي المرتكزات التي يقوم عليها؟ وأشار إلى ضرورة وجود هذه الرؤية الكلية لمعرفة من أين يبدأ التهديد وأين ينتهي!! وأكد أن هذا يعتبر خطوة في اتجاه ما يسمى خطة الوطن، وهذا متأخر في السودان والبلدان النامية، لأن السياسات والبرامج المعلقة تنتهي بانتهاء الحكومات.. وقال: إن هذا النهج يؤثر سلبياً على قضية الحريات، وهو غياب التعامل المبني على رؤية كلية وشاملة، يمكنها أن تسهم بشكل إيجابي في عملية التعبير الإيجابي.. وقال: إن حرية التعبير تحتاج إلى بناء سياسي مؤسسي معافى مستقر، حتى يمكن أن تنطلق وتعمل لصالح المجتمع!! وقال.. إن هناك بعض نقاط الضعف المتصلة بالبناء المؤسسي للدولة في البلدان النامية، كانعدام تصورات كلية لإدارة التنوع، وذلك في إطار حرية الاعتقاد وحرية القول، وانتاج ذلك يشكل السلوك للحظوة بالاعتراف الطوعي دون قهر أو إكراه، فإن لبنة هذا التعبير والتأسيس له تقوم على فكرة وجود التنوع، وهذه واحدة من سمات البلدان النامية، والسودان واحد منها، وهذا التنوع وإدارته يمكن أن يساهم في بناء حرية التعبير، و ملحوظ من خلال التجربة السودانية.. أن هناك تعاوناً في إدارة التنوع ما بين التكافل الوظيفي والاستيعاب والإقصاء، وأشار الدكتور الخير عمر الى أن البناء السياسي لأي دولة يلعب دوراً كبيراً جداً في حرية التعبير، ومن ضمن القضايا التي تظهر في البناء المؤسسي للدول كنقاط ضعف كبيرة للدولة النامية مثل السودان، انعدام الاتفاق على دستور، فبرغم تجارب جميع الدساتير السودانية والاعتراف بها والتعامل معها، إلا أن ما يعيبها أن معظمها في الجانب التشريعي والتطبيق.. فالتاريخ يؤكد أن الوثائق كلها منذ وثيقة (استان ليكر) وهي وثيقة استعمارية، لا يمكن أن تعبر عن أشواق أمة متطلعة للتحول ولحرية التعبير، تلاها دستور (1964) المعدل المستند على دستور 1956م، ثم تلى ذلك مشروع دستور 1973م، ثم جاء دستور السودان الانتقالي 1985م، ثم تلى ذلك 1998م، ثم جاء الدستور الانتقالي 2002م الذي أثار جدلاً واسعاً، وكل هذه الدساتير متصلة بقضية جوهرية فيما يخص العملية الكلية للبناء المؤسسي للدولة، وأن الاتفاق على قضايا الحقوق الأساسية والحريات ينبغي أن يؤسس على توافق وتراضٍ يضمن لاية تجربة دستورية النجاح. ü وفي جانب الأبعاد السياسية والتاريخية أكد الأستاذ رشدي محمد علي خبير إعلامي فذكلة تاريخية سياسية عن التجارب السابقة في مجال الحرية، لربط الماضي بالحاضر، وتناول مسألة الحرية في القرون الوسطى وانتقالها إلى مرحلة الثورة الصناعية والتجرية البريطانية، ووضعت دستورها واعتمادها للحريات وصولاً للتجربة الاميركية والفرنسية وتأثيرها على عملية البناء السياسي والاجتماعي في تأسيس الحريات والحقوق الإنسانية.. وأشار الى وجود هذا في الثقافة الإسلامية ووجود الآية (وأمرهم شورى بينهم). ü في جانب الإطار القانوني والتشريعي في السودان لحرية التعبير تناول الدكتور صلاح محمد ابراهيم الخبير القانوني في حديثه أن الحرية لا تتجزأ، وأن هذه القضية ظلت محل جدل لمدة نصف قرن، والسبب عدم وجود نظام حكم مستقر وثابت، وأن المشكلة متكررة وقائمة لذلك السبب.. وقال لقد نجحنا في معركة التحرر من الاستعمار، وفشلنا في معركة الحرية، وأن الحرية مرتبطة باطار فلسفي وتاريخي، على مسار طويل جداً، وأن الأسس أثبتت وفقاً لصراع في مناطق بعيدة في أوربا وأمريكا.. وقال إن مسألة الحرية نجمت عن ثورتين في بريطانيا في القرن السابع عشر وفي نهاية القرن السابع عشر في أمريكا، والإطار القانوني في انجلترا لم يكتب،، أما أمريكا فورود مصطلح الصحافة يُعد جديداً، وانهم تحدثوا عن التعبير والكلام!! وقال إن المشكلة والنقاش ليس في مسألة الدستور أو القانون بل في نظام الحكم الذي نريده للسودان،، وأشار إلى ضرورة تراضي حتى تحدث حرية التعبير بكل أنواعه، من تظاهر، أو حديث، أو تجمع،، وقال إن الاتفاق على منهج معين هو الأساس لانطلاق حرية التعبير، وعزا استقرار الحريات في أوربا لاستقرار الحكم، والذين اتوا بالثورات فيها تشوقوا إلى نظم حكم ومبادئ ووثائق، بعكس الدول النامية ومنها السودان، وقال: ليس هناك حرية مطلقة، فالمشرعون وضعوا كوابح وقيود، وهذه القيود فتحت الباب أمام المشرعين فيما بعد لتغيير الحريات وليس الصحافة فحسب، فهناك قوانين أخرى فيها قيود،، وأشار إلى أن معرفة الأساس أن تعرف ما يتعلق بنظام الحكم.. والسؤال هنا هل هذه السلطات سلطات مطلقة أم مقيدة!! فهنالك سلطة للجهاز التنفيذي تتعدى على السلطة التشريعية،، وقال إن القوانين معنية بمشكلتين أساسيتين هما الترخيص والرقابة المسبقة للنص، وهناك اتفاق عام بين المشرعين والفقهاء بأن ليس هناك حرية مطلقة حتى في كل القضايا التي تم النظر فيها. وقال: إن المشكلة سوف تظل قائمة مالم يحصل اتفاق على فلسفة للحكم وثوابت ومبادئ يتم التوافق عليها سياسياً، لترسم خارطة طريق لكل أشكال الحريات والقوانين المنظمة لهما. }}