تظل عملية الموازنة الاقتصادية مقابل الأزمة المتصاعدة مستمرة وقضية تحدي للحكومات والسودان دولة تحاول جاهدة وضع سياسات اقتصادية تخرج بها من عنق الزجاجة بتنظيم عملية الاستيراد والتصدير والإنتاج لبعض السلع الاستهلاكية وقد تم اصدار قرارات بصدد ذلك في الأونة الأخيرة لوقف استيراد بعض السلع منها الأثاثات والبلاستيك والسيارات المستهلكة والألبان والحلويات. غير أن الشاهد أن هنالك بعض السلع ما زالت تدخل عبر بعض المستوردين وبعض النوافذ التجارية وتكلف خزينة الدولة أموال طائلة مثل الألبان والتي جاء في تقرير الأداء لوزارة الثروة الحيوانية بالبرلمان من خلال الوزير د. فيصل حسن إبراهيم بأن السودان يمتلك ثروة حيوانية هائلة وامكانيات مقدرة لانتاج الألبان ولكن أن يكون الاستيراد للألبان بمبلغ «001» مليون دولار يضع العديد من علامات الاستفهام حول هذه الصناعة ومدخلاتها وسبب اهدار هذه الأموال رغم امتلاكها لثروة حيوانية لا تقدر ورغم تأثير انفصال الجنوب وانضمام أعداد كبيرة من الثروة الحيوانية لدول الجنوب يظل السودان يمتلك الأعداد الكافية لقيام صناعة اللحوم ومنتجات الألبان. ٭ رئيس غرفة المستوردين: الأستاذ سمير أحمد قاسم رئيس غرفة المستوردين قال ل«آخر لحظة» إن هنالك سلع تم حظرها من قبل وزير التجارة باعتبارها سلع غير ضرورية ويمكن انتاجها محلياً وشملت الاثاثات ومدخلات البلاستيك والحلويات والألبان وبعد صدور القرار ووقف هذه السلع بدأ السوق يتحرك بالمنتجات المحلية باعتبارها سلع هامشية ومتوفرة بالسودان ولم يؤثر عليها يؤثر عليها لكن الألبان ارتفع ثمنها وتعالى الطلب عليها لقلة الانتاج مما أدى إلى فتح باب الاستيراد للألبان المجففة رغم أن هنالك دراسة متخصصة بالألبان توضح أن انتاج السودان يغطي السوق المحلي ولا حاجة للاستيراد بهذه المبالغ الضخمة وأشارإلى أن حل هذه المشكلة يكمن في وجود آليات لايصال هذه الألبان من مناطق الانتاج إلى مناطق الاستهلاك في شكل بناء مصانع حديثة وثلاجات ناقلة وحافظة للألبان بطريقة صحيحة وصحية.. وقال رئيس غرفة المستوردين :حسب قراءتي للسوق فإن قرار الحظر سليم حتى ننهض بصناعة الألبان ومنتجاتها في السودان لأن رغم هذا الغلاء هنالك كميات تنتج وتهدر دون الاستفادة منها استفادة كاملة لصناعة الأجبان والزبادي ودخول الألبان في الصناعات الغذائية الأخرى مما يشكل سوق رائج ودائم وهنا أشير إلى ضرورة اعداد المواعين اللازمة لهذه الصناعة كذلك تخفيض الضرائب على مدخلات الانتاج من اعلاف وترحيل وضرورة مركزية الجبايات!! ٭ سوء التخطيط واهمال البحث العلمي: د. محمد الجاك أستاذ العلوم الاقتصادية جامعة الخرطوم أكد ل«آخر لحظة» أن السودان يمتلك من الأبقار ما يقدر ب«6» أضعاف ما تمتلكه دولة هولندا في حين أنها تنتج من الألبان ما يفوق «61» أضعاف ما ينتجه السودان وقال إن المفارقة الواضحة في هذه المعادلة تكمن في عدم استفادة السودان من الكم الهائل من الثروة الحيوانية كماً وكيفاً من ناحية تجويد عملية الرعي التقليدي وتحويلها إلى مزارع مختصة بتربية وانتاج الحيوان والألبان وكذلك سوء التخطيط وعدم منح البحث العلمي فرصة للتطبيق. وقال د. محمد الجاك إن السودان لديه اتحاد المصدرين للألبان و غرفة انتاج للألبان وهي معنية بهذا الأمر ولكنها للأسف لم تتطور في الأداء ونظرتها نحو المستقبل الإستراتيجي لهذه الصناعة وظلت في مربع المحافظة على مصالحها ووضعها ولم تسد فجوة السوق من حاجة إلى ألبان سودانية ممتازة بمواصفات جيدة بالتالي قفز مبلغ الاستيراد إلى «001» مليون دولار كان من الممكن الاستفادة منها في تجهيز آليات ومدخلات حقيقية لصناعة الألبان في السودان دون هدرها على الألبان المجففة من الخارج!! وأشار إلى أن الاستيراد نفسه يعاني من قصور المواصفات والمتابعة والمراقبة وقال لابد من وجود آليات لضبط الجودة في كل الوزارة وخاصة وزارة الثروة الحيوانية وغيرها من الوزارات المعنية واتباع المهنية في العمل وكل جزء يراقب والجزء الآخر ينتج وتكوين شراكة اقتصادية حقيقية بين الحكومة والمنتجين ومؤسسات التمويل وبدون هذه المعادلة تظل المأساة قائمة في عملية الهدر المالي لاستيراد بعض السلع التي من الممكن انتاجها محلياً مثل الألبان وقال إن لدينا مقترح ودراسة قدمتها للسيد الوزير بخصوص تطوير عملية انتاج الألبان منذ 2002م استخدمت فيها قراءات كاملة للبيانات والمعطيات لهذا القطاع الحيوي..ومثال لذلك دولة البرازيل حيث أن الجمعية الزراعية الواحدة تنتج من الألبان محلياً وتصدر إلى الدول المجاورة وهذا دليل على نجاح التجربة باتخاذ الأساليب الحديثة والبحث العلمي ودعم التمويل وهذا لا يتم في السودان إلا باستخدام الحوافز للمنتجين والاعفاءات الجمركية والضرائب ومنح القروض والتمويل وتأسيس الآليات المشتركة بين الحكومة والمنتجين ومؤسسات التمويل. تبقى الألبان إحدى السلع الاستهلاكية التي يأمل المواطنين في أن تكون متوفرة في مقابل مدخلات انتاجها من ثروة حيوانية هائلة ومراعي واسعة ومقدرة سودانية على عملية الرعاية البيطرية وانتاج مخرجات الثروة الحيوانية من لحوم وألبان وجلود يمكن أن تساهم في الدخل القومي ولا تكون خصماً عليه بعملية الاستيراد التي تفوق احياناً مئات الملايين من الدولارات!!