أكمل المؤتمر الوطني جلساته التنشيطية للحزب، وقد انتظمت أطقمه في كل الولايات في ذات الجلسات حتى اختتمت بالمركز العام. بعض الولايات لم تمكنها الظروف الأمنية من عقد مؤتمراتها ولكنها عقدتها بالنية ولكل أمريء ما نوى، وهي لا تختلف في أطروحاتها وسياساتها على المستوى الولائي أو المركزي، إذن فالجميع في ركاب الحزب سائرون ومن شابه أباه فما ظلم. يجيء المؤتمر التنشيطي للحزب وحال الدولة والحزب قد اختلف سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وعسكرياً ودبلوماسياً، سياسياً انفتحت آفاق المشاركة الحزبية في المدى القريب والبعيد، المؤيدة والمعارضة، وتفتحت المدارك لدى قادة الأحزاب ومنتسبيها لمفهوم التنافس السياسي وأي الأساليب أنجع لاجتذاب العقل السياسي السوداني المطبوع، ثم أن الأحزاب ككيانات نفسها أدركت ولو متأخرة معنى الانتظام الحزبي والالتزام التنظيمي ومباشرة القواعد الجماهيرية التي تتعلم من تلك القيادات الفطنة الواعية أخلاقيات السياسة وتنشطها وتحرسها بأخلاقيات منتهاها ومبتغاها أن تكون الساحة السياسية للرأي والرأي المعارض، رحبة واسعة وكل ذلك في هوى السودان. اقتصادياً وباختصار فإن المتغيرات التي طالت مسيرة السودان الاقتصادية كثيرة ومتنوعة ومتعددة، إلا أن أهمها وإن لم يكن أخطرها هو التأثير المباشر الإيجابي للبترول على الدولة ثم الإنعكاس السلبي لخروجه بزاوية حادة من مربع الاقتصاد السوداني، مما أثر تأثيراً مباشراً على كل شؤوننا بلا استثناء (حتى في حلة الملاح) ولكن أخطر المتغيرات الإيجابية هو التفات أو عودة وعي الدولة للزراعة وما يعنيه الاقتصاد الزراعي للسودان والقارة والعالم، ثم تأتي الثورة الصناعية التي حتمتها مستجدات الواقع السوداني الجديد وموقعه وموارده. المتغيرات الاجتماعية التي حتماً وضعها المؤتمر الوطني في اعتباره، لا تنفصل عن العامل السياسي الذي أفضى إلى انفصال الجنوب والتفاعلات الاجتماعية التي نجمت عن ذلك سالبة كانت أو إيجابية وقد بدأ أثرها واضحاً في بعض أجزاء البلاد وارتباط ذلك بالمؤتمر الوطني الجامع المانع حزباً، أو المؤتمر الوطني بمفهوم من أساء سمعاً فأساء فهماً ثم فعلاً.عسكرياً فإن المؤتمر الوطني من أكثر الأحزاب تفاعلاً وانفعالاً بالمتغيرات العسكرية والتحالفات الجديدة بين الجوار القديم، باعتباره الحزب الحاكم وإدراكه بمهددات الأمن القومي السوداني بما يعني حتمية تغيير الواقع والأسلوب العسكري، ليتناسق المفهوم السياسي مع المفهوم العسكري حتى تأتي مجابهة المهددات للوطن بنهج واحد قوي يسند بعضه بعضاً. دبلوماسياً يأتي المؤتمر التنشيطي للمؤتمر الوطني وقد تملكت أجهزة الحزب المختصة مفاتيح المداخل والمخارج لعمل البيت الدبلوماسي السوداني، وقد توفقت الدبلوماسية السودانية رغم العثرات الكثيرة في مد البساط الأخضر في اتجاهات كانت مغلقة أمام السودان، وبتلقائية تحول البساط إلى اللون المعهود في المراسم الدولية. إنه نجاح يحسب لصالح المؤتمر الوطني الحزب وأجهزته المتخصصه وإن كانت هناك بعض المطبات التي تتطلب في المرحلة المقبلة تعبيد الطرق إليها. إن انعقاد المؤتمر التنشيطي يأتي في ظرف استثنائي يمر به السودان والحال هكذا- وقد دعيت إليه فعاليات حزبية من خارج السودان، كان ينبغي عدم استثناء أي لون من ألوان الطيف السياسي وبصفة خاصة المعارض بشدة للمؤتمر الوطني سياسياً، وأعني بهم الشينات الثلاثة من باب التفضل أو التفاضل ثم التكامل، وليروا أن كل هذا من فضل ربي، لقد تخطى المؤتمر الوطني جراحات كثيرة بعضها التأم وبعضها لازمته غرغرينة يتطلب علاجها الصبر والنظافة المتواصلة حتى الشفاء أو البتر. المؤتمر الوطني وهو يعقد مؤتمره التنشيطي بهذه المشاركات العالمية، إنما هو في نعمة ينبغي عليه أن يشكر الله ثم الناس (شعباً)، خاصة وهو المصنف عاشراً أو ضمن الأحزاب العشرة التي يشار إليها بالتنظيم والترتيب والتحكم والسيطرة والسطوة والإرادة القوية لبلوغ الأهداف عبر جميع الوسائل المتاحة، لذا لم يكن يضيره أبداً توجيه الدعوة لطاقم الشينات، ومن تمنع منهم بعد الدعوة يكون أحد الحالات الآتية: مخالفة الأمر النبوي الكريم بحق المسلم على المسلم إذا دعاك فأجبه، والثاني قطعاً يمنعه من الحضور عدم الاقتناع بالفكرة والدعوة والسياسة. والثالث هو جار لك، والجار رغم خسته إذا طهوت طعاماً جيداً وفاحت رائحته عليك أن تطعمه منه رغم أنك لا تأمن بوائقه. لا نملك إلا أن نقول للمؤتمر الوطني وهو مقبل على المرحلة الثانية من الجمهورية عقب الانفصال، إن جاء التشكيل الوزاري عريضاً أو ضيقاً، فإن الأمر كله رهين بما خططته أجهزة الحزب المتخصصة من خطط وبرامج أعلنت، وعليه المطلوب حشد كل الطاقات الفكرية بلا استثناء لصياغة مجتمع جديد قاعدته الصلبة هوى السودان بكل تعقيدات التركيبة السكانية التي يمكن أن يمزجها الفكر الثاقب الصائب ذو الفهم المرن، وخير الفكر ما اقترن بالثوابت والموروثات وطورها أو تطور هو لمفهومها، ثم تجلت من بين ثناياه العقيدة السمحة. لنحشد كل الطاقات السياسية بتجرد لتعبئة وتهيئة جيل الغد، وذلك من خلال الممارسة السياسية المثال، مع الوضع في الاعتبار المتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية ومتطلباتها وأشكالها والمؤثرات عليها ليستطيع هذا الجيل مواجهتها والتعامل معها بعقلية وذهنية سياسية واعية وواقعية. لتحتشد كل الطاقات الدبلوماسية وبقاعدة عريضة تتمازج فيها الدبلوماسية التقليدية والحديثة لتصنع قاعدة دبلوماسية سودانية أصيلة وثابتة تتقبل المتغيرات والمتحولات في دبلوماسية عصر التقانة وكواليسه المتعددة والمتباينة. عقدان من الزمان مضيا والإنقاذ- المؤتمر الوطني- في مقارعات ومصادمات وتلاقحات وأزمات اقتصادية، مما يعني خبرات وتجارب مرت بها الأجهزة المختصصة في هذا الشأن بالدولة أو الحزب، تستطيع بعدها أن تضع الخطوات الاقتصادية الثابتة والحقيقية البعيدة عن الأوهام والأحلام الاقتصادية الهلامية، رغم أن الخطط الاقتصادية أحلام وتطلعات تبنى على حقائق ومعطيات واحتمالات- وتضع قاعدة أو قواعد راسخة للاقتصاد السوداني بكلياته، وذلك عبر الاستعانة بكل المتخصصين في هذا المجال مهما اختلفت رؤيتهم السياسية مع المؤتمر الوطني، فالشجرة تحتمل وقوف الجميع تحت ظلالها. تتطلب المرحلة القادمة من عهد أو دورة المؤتمر الوطني حزباً حاكماً، استثارة همم كل شرائح الشعب السوداني على اختلاف ألوان طيفه السياسي والفئوي والجهوي، لينهض الجميع ليعملوا في نكران ذات وإيثار وطني ليتحقق الشعار المطروح بواسطة الدولة في إستراتجيتها الربع قرنية.. يقول المولى عز وجل في كتابه الكريم الذي فيه خبر من قبلنا وأنباء ما بعدنا (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء) صدق الله العظيم. نسأل الله للسودان وشعبه الثبات على القول الثابت ويهدي الظالمين منا جميعاً إلى الصراط المستقيم.. والله المستعان. فريق ركن