ويعيش الأحبة.. كل الأحبة.. من مواطني تونس الخضراء.. ومصر المحروسة.. وليبيا الراكزة المركوزة عليها رفاة عمر المختار.. راية وساري مركب.. وفنار ميناء.. تعيش أزهى أيامها.. وطقسها ربيعي.. حافل بالزنابق.. والعطر.. والمسك والأزهار.. ترتفع رايات الديمقراطية الرحيبة الحقيقية.. والتي تشبه تماماً ديمقراطية الغرب الكافر.. عدالة ورصانة ونظافة ونزاهة.. ليس بها «دغمسة» ولا إجماع سكوتي.. ولا اكتساح حزب حاكم ليس في دوائر معارضين ومنافسين.. بل يكتسح زوراً وبهتاناً دوائر ظلت على الدوام تناهضه وتعارضه.. تحصد أحزاب.. بل حزب الحكومة حتى أصوات أسرة وزوجة وأبناء المنافس في مهزلة تحكي للعالم المسخرة والضحك العاصفة في مسرحيات اللا معقول.. بل هي مسرحيات الكوميديا السوداء.. تنفجر الشوارع والطرقات هناك وهي تئن من ثقل الحشود التي ترفرف على رؤوسها أعلام النبوءات الجريئة.. والمحفورة على ديباجاتها كلمات الأمل والمستقبل.. وتنفتح أمام جماهيرها الأبواب مشرعة وهي تندفع واثقة في مسيرتها القاصدة قلب الشمس.. لا يهم هناك إن فاز الإسلام السياسي.. أو اليسار العلماني أو حتى القومي القطري والإقليمي.. المهم أن صناديق الاقتراع هي أصدق أنباء من كل حكم الطغاة المتدثر برداء الشمولية والقهر والاستبداد.. يعجبنا كل ذلك و«يسر بالنا» كل تلك الملاحم والمآثر العظمى. ولكن يدهشنا.. ويشق كبدنا.. ويغضبنا حد الوجع.. ذاك السيل الهادر.. وذاك الصياح والزعيق والذي تدفق أحباراً وكلمات من الأحبة «الأخوان» في السودان.. وهم يبرعون ويتفننون في التصوير والتلوين.. بأن اليسار السوداني والعلمانيين في السودان يرتعدون ويفزعون من سيطرة الإسلاميين على تلك الأقطار التي انسدلت قيودها جدلة عرس في الأيادي وهي تدوس بأقدام ثقيلة.. و«تحت الجزمة» كل جلاديها وأسرهم وأصدقائهم.. ولهؤلاء نقول.. في هدوء وموضوعية نبدأ.. أولاً.. إن كل الشعوب تلك التي انتفضت على جلاديها.. تحمل بين تجاويف صدورها أشواقاً شاهقة للإسلام.. يحلمون ويأملون ويتمنون أن تضيء في عواصمهم أشعة من تلك الشموس التي تساقطت في إشعاع على يثرب.. تشرئب أعناقهم لمعانقة العدل.. والرحمة وتكريم الإنسان وتوقير المواطن الذي هو أحد أفراد الرعية.. يستمطرون السماء آملين أن يهطل عليهم مطر تلك الأيام الزاهية المزهوة.. التي قاد فيها العالم الإسلامي.. وذاك الذي أخضعته الجيوش الإسلامية إلى حكم الإسلام.. وسيرة الخلفاء الراشدين وزهد الخليفة الخامس ابن عبد العزيز حية تتقد في نفوس أولئك الناخبين.. إنهم قد صدقوا للإسلام ذاك.. لأنه هو الحل.. أعني الإسلام الطاهر العادل المطهر.. ولكن من يبعث ذاك الإسلام الذي يستقر في تلك القلوب المؤمنة.. ثانياً.. نعم نحن نفزع.. بل أنا أفزع.. ودعوني أتحدث فقط عن نفسي.. أفزع أن يستهل «الأخوان» في مصر.. وتونس وليبيا.. حكمهم تماماً كما استهل «أخوانهم» في بلادي الحبيبة الغالية النبيلة حكمهم.. وذلك في بواكير عاصفتهم عاصفة الإنقاذ.. هنا يكون هؤلاء قد اقترفوا خطأ.. بل خطيئة حياتهم.. لأن مثل ذاك الاستهلال وكما حدث في السودان.. كان هجمة ضارية ليست على المواطنين.. بل كانت هجمة عاصفة على الإسلام نفسه ذاك العادل الطاهر المطهر. مهلاً.. أنا لا أبهت ولا أقذف ولا أتجنى.. ولا «ابتلّى».. أنا لا أتحدث عن «الإنقاذ» اليوم.. أتحدث عن الإنقاذ في تلك الأيام المخيفة المفزعة.. وحديثي يستند على الشواهد وحتى أقوال وأفعال سدنة الإنقاذ أنفسهم.. الذين تحولوا واستداروا مائة وثمانين درجة من ذاك النهج الذي ظلل بواكير عهدهم.. أتحدث عن الإنقاذ بعد أن تعافت من ذاك «الجن» الذي بدأت به مشوار حكمها.. هنا فقط يأتي فزعي وخوفي ورعبي.. إن اقتفى «أخوان» تلك البلاد طريق أخوانهم هنا.. النعل بالنعل.. أما الصور المفزعة.. التي تجافي وتخاصم وتبتعد عن الإسلام بأميال وفراسخ.. نكتبها بكرة..