تعليق الموبايل وسيلة سحرية سهلت على الناس الكثير من الوقت والجهد في التلاقي.. وقربت المسافات البعيدة وجعلتها أيونات تسري في أسلاك.. وسيلة لنقل المعلومة منك وإليك في سهولة.. وتستطيع أن تنسق كل المواعيد عبره.. وأيضاً أصبح وسيلة سلهة للزوغان من المواجهة.. قادني إلى هذا الحديث أحد الأصدقاء يتحدث عن إحدى الفتيات.. وهي تتحدث عبر التليفون عن مسألة شخصية جداً.. وبصوت عالٍ.. وفي مكان العمل.. حتى أن مشكلتها الخاصة وتفاصيلها الدقيقة أصبحت مفضوحة.. ولم تكترث للعمل.. ولا للمتواجدين حولها.. إلى درجة أصابت من حولها بالملل تارة.. والغضب تارة أخرى.. الملل من الحديث الذي لم يؤثر على مشاعرهم سوى بالاستهزاء والغضب من عدم حيائها وتحدثها بمثل هذه الأمور في مكان عام.. الموبايل وسيلة.. وليس غاية.. فليس من المنطق أن نناقش مشاكلنا وتفاصيلنا عبر الهاتف.. ليس هناك أفضل من المواجهة.. والعين في العين.. فالتعابير والنبرات التي تصلك عبر الهاتف ربما لا تعكس الحالة التي فيها الآخر.. والعمل ليس مكاناً لنتبادل فيه أطراف الحديث.. والمودة.. والعتاب.. فهو مكان للإنتاج.. والعطاء.. والزمن الذي يهدر في مثل هذه الأمور أحق به المواطن الذي يجلس على كراسي الانتظار لتخدمه. وكثيراً ما صادفت مثل هذه الأشياء.. ليس فقط الموبايل.. نحن لدينا الكثير من العادات الخاصة.. أصبحت عامة.. ولم نعد نفهم كيفية التعامل مع الخاص والعام.. كل مشاكلنا على الطاولة.. فقدنا الخصوصية.. فقدنا الشخصية.. وأصبحنا مجتمعاً يفقد حس الآخر.. ليس هناك مبرر واحد لشخص أن يقحم آخر في تفاصيله.. وليس من الذوق أن تجبر من حولك على سماع ما لا يخصهم.. ولا رؤية ما لا يعنيهم.. الخصوصية مهمة.. والأسرار جزء من الشخصية.. فإذا أصبحت أنت مكشوفاً مفضوحاً.. أصبحت شخصية باهتة.. ليست لها تفاصيل.. وفقدت جاذبيتك شيئاً فشيئاً. تأكيد: أضم صوتي لصوت أم وضاح.. نحتاج إلى إعلام حر.. يكسب ثقة الشعوب.. إعلام يبحث عن الحقيقة.. إعلام يخدم قضية أمة.. شعب.. إعلام لا يخشى على جدرانه من الانهيار.. ولا أبوابه من الإغلاق.. ولا موجاته من التشويش.. ولا حروفه من الذوبان في مياه التهميش والتفتيش.. ولا أوراقه من التجميد في ثلاجات التعتيم والأجندات.. إعلام يخدم الفكرة لا النظام.