لولا أن القوانين تنظم الحياة فسوف يختل توازنها، ويعود الضرر على الكل.. لذا فإن القوانين الوضعية تعمل على تنظيم مسيرة الحياة، وجعلت لكل جريمة عقاباً، ولكل تصرف مساءلة، ومناسبة هذا الحديث هي ظاهرة اغلاق الشوارع والطرقات من فئات محتجة على مسائل ليس للطريق دخل فيها، ومن أمثلة ذلك ما تم في العام المنصرم عندما قام المحالون للصالح العام في بعض الأجهزة النظامية بقفل كبري كوستي، وإيقاف حركة المرور القادمة والمتجهة الى ولايات الغرب، وقد تراكمت أرتال من المركبات العامة بمختلف أنواعها على جانبي الكبري والشوارع الممتدة، ولم يفك الاعتصام المرتبط بقفل الكبري إلا بعد أجاويد ومحاولات عديدة، وقد كان السبب- حسب ما علمنا- عدم صرف أولئك لحقوقهم، ومثال ثاني هو ما قام به أهل منطقة الحمداب في قراهم الجديدة، حيث قاموا بإغلاق طريق شريان الشمال، وقد كان السبب المباشر هو تعرض محاصيلهم للموات-(الجفاف)- بسبب شح مياه المشروع الزراعي، بل توقفه كلياً، وقد استجابت الجهات المسؤولة لمطالبهم، فتمت صيانة وابورات المشروع، ووفرت كميات الوقود المطلوبة.. ومثال ثالث وهو حدث كاد أن يؤدي الى اخلال بالأمن والطمأنينة، وهو ما شهده شارع الستين على أثر حادث حركة راحت ضحيته أرواح بريئة، وقد تميز تجمع المواطنين بالثورة والانفعال، ولكن الجهات المختصة والشرطة أسرعوا لاحتواء الأمر، وقد اتخذت اجراءات سريعة لاجراء اصلاحات في شارع الستين، وبدأ العمل في تلك الاصلاحات الفنية قبل انفضاض المعتصمين وأهم تلك الاصلاحات قيام عدد من الاستوبات، وإنشاء فتحات في أجزاء من الشارع تساعد على تحول الاتجاهات، وكنت قد كتبت مقالاً قبل فترة عن التصميم الفني لشارع الستين، ووجوب مراجعته، ومن الغريب أن يكون هذا الشارع مخصصاً للمرور السريع دون فتحات أو استوبات، لماذا يخصص للمرور السريع وهو يعبر عدداً من الأحياء السكنية والمدارس وخلافها، وطالبنا في ذلك الوقت بادخال نظام الشارات الضوئية، إنني أرى أن تخصص لهذا الشارع خطوط مواصلات لخدمة الأحياء المجاورة، ولتخفيف سرعة السير، غير أن الاستجابة قد جاءت من خلال ضغوط ثوار قفل الطريق. ولم يتأخر أهالي مناطق بري عن المشاركة في قفل الطرقات، فقاموا بقفل شارع النيل قبالتهم بحجة نزع الجروف خاصتهم، وعدم تعويضهم، مما اضطر الجهات المختصة للتحاور معهم وإقناعهم بالعدول عن تصرفاتهم، حيث لا علاقة للشارع بالموضوع، ثم تواصلت الظاهرة فقام محتجون بقفل الشارع الذي يفصل بين البراري وامتداد ناصر، احتجاجاً على حادث حركة بذلك الشارع راحت ضحيته امرأة تغمدها الله برحمته. ونقلت الأخبار هذا الأسبوع أن اخواننا مرضى الكلى قد احتلوا شارع الطابية احتجاجاً على عدم توفر مواد الغسيل، بجانب العديد من المشاكل المرتبطة بمرضى الكلى، حتى تدخلت الشرطة وعملت على اقناع المحتجين، بل سعت للجهات المختصة لعلاج المشكلة، فاستجاب المرضى لصوت العقل، وبهذه المناسبة لماذا يظل علاج الكلى دائماً متعسراً، وقد توسعت دائرة المرضى، وأصبحت عمليات الغسيل تمثل حاجة ماسة لعدد كبير منهم. إن حضارة الأمة تظهر من خلال سلوكها، وأن سكان ولاية الخرطوم يتميزون بالوعي الكامل والوطنية الصادقة، إننا لاحظنا أن قفل كل الطرق التي أشرنا اليها غير مرتبط إلا في القليل منها، وحسناً فعل المعتصمون في بعض هذه الشوارع، حيث كانت إجابتهم عاجلة وسريعة، بعد أن عبروا عن وجهات نظرهم. كلمات في حقه عاشرته عندما كان وزيراً للمالية بالولاية الشمالية القديمة، وعاصمتها الدامر، وكان يتميز بشباب وحيوية وبشاشة، وود متناهٍ، وهو الأستاذ الجامعي الأكاديمي المرموق، فقد أخذته السياسة من بين أساتذة جامعة الخرطوم، وأعادته لهم مرة أخرى بعد أن استنفذت أغراضها منه، ومنذ سنوات عديدة لم ألتقِ به، ونحن قد كتب الله لنا التجوال من خلال مهنة الضابط الإداري المعروفة بشقائها وعدم استقرارها، وفي العام قبل الماضي عندما استقر بنا المقام بالعاصمة بمنطقة المعمورة، فوجئت به مستقراً قريباً من سكننا، هو وعقيلته الدكتورة المثقفة التي تغوص في نشاط اجتماعي عميق من خلال إحدى المنظمات الطوعية، فعاد الود بيننا واعتدت أن أتلقى منه العديد من الاتصالات التليفونية، معلقاً على ما نكتبه في عمودنا، لقد حظت أنه ظل يحتفظ برزانته وعلمه وروعته وحلاوة معشره وثقافته العالية.. ألا رحم الله أخونا د. مختار حمور الذي رحل عن دنيانا الفانية هذا الأسبوع، تاركاً خلفه الذكرى الطيبة والحزن العميق، الصبر لأرملته الدكتورة المكلومة وأبنائه وأصدقائه وطلابه.. (إنا لله وإنا اليه راجعون).