ثمة إحداثيات يطلق عليها مهمة.. أما (الحدث الأهم) هو دوماً يبقى حبيساً في غياهب المجهول ولا يجود به الزمان إلا لماماً ومن هذا (اللمام)-إذا صح هذا الجمع المكسور العنق لدى أهل الأبجدية في رواق سيبويه. غير أنه ياسادتي قد تفضل فخامة المشير البشير باطلاق (الحدث الأهم) فتمهرج الأثير بهذا اللقاء الوثير، الذي لم أجد له قول يناسبه سوى (شكراً نبيلاً سيدي الرئيس .. انه حقاً لقاء فوق السحاب) حيث أنه (قولوا ماشاء الله) كان فيه الرئيس رائعاً وحاضراً وجاهزاً لوضع النقاط فوق كل حروف الأبجدية، حتى التي لا نقاط لها.. ألم أقل لكم (إنه حقاً لقاء فوق السحاب) شهدته فضائية النيل الأزرق)، ولأن الجنرال حسن فضل المولى- قد عهدناه دوماً سخياً لم يبخل لاحد بهذاالحدث الأهم- فما كان اللقاء حصرياً على قناة النيل الأزرق، وإنما أهداه الجنرال الى شقيقاته في الرضاعة من ثدي الأثير وفي مقدمتهم (قناة الخرطوم)، التي أكدت نفسها إنها ليست قناة زهرة مدائن الخرطوم فحسب، وإنما هي قناة عموم مدائن السودان.. التحية لجنرالها الأصغر الزميل عابد سيد احمد، الذي ما أشرق صبح على عروستنا (آخر لحظة) إلا وقد أطلق من كنانته سهماً يحمل (كل الحقيقة)، والتحية موصولة للجنرال الأعظم حسن فضل المولى، قائد فرسان خيول الريح التي تجوب الفضاءات المفتوحة.. رائعتنا قناة النيل الأزرق، التي قلت لجنرالها الأخ حسن فضل المولى في لقاء ضمني معه، في احتفالية إشعال الشمعة السادسة لعروستا (آخر لحظة)) .. لقد أصبت كل الفضائيات في مقتل ياسيدي الجنرال.. ابتسم الجنرال بسعادة وجمال وصمت وإن في صمت (الحسن) ألف .. ألف كلام. عفواً سادتي لهذا الاسترسال في الحديث، ولكن أين لي وأنا في حضرة (الحدث الأهم) اللقاء الشاهق الذي قلت إنه حقاً لقاء فوق السحاب، هذا اللقاء الذي أجراه ذاك الفتى (الطاهر) الذي لم يخرج من جلباب أبيه، بل وأكثر من ذلك فقد استشرف الفتى المقولة المأثورة (ابن الوز عوام) فهو ابن الصديق الصحفي الشاهق الراحل حسن أحمد التوم، رئيس تحرير مجلة الشباب والرياضة، التي انتقلت رئاسة تحريرها له بعد تعيين الأستاذ ابراهيم عبدالقيوم رئيساً لصحيفة (الأيام)، وكان أول رئيس لتحرير مجلة (الشباب والرياضة) وبعدها تحمل مسؤليتها الصديق الصحفي الشامل الأستاذ سيد على كرار. عفواً سادتي مره أخرى فقد أهاج لقاء الرئيس في خاطري كوامن التذكارات الصحفية القديمة، ولكن بالطبع أجد الآن متسعاً للحديث عن (الحدث الأهم) ذاك اللقاء الذي دار تماماً.. تماماً فوق السحاب، الذي كان فيه الرئيس رائعاً وحاضراً وجاهزاً لوضع النقاط فوق كل حروف الأبجدية، حتى التي لا نقاط لها، وأول النقاط أن اللقاء جاء وفي نفس الوقت (كية من نار وجرعة من عسل) .. الكية للأعداء والعسل للأصدقاء ولا عزاء لبعض سدنة المؤتمر الوطني الواهمين الذين ظنوا أنهم لحمته وسداه وأن سفائن المؤتمر الوطني لا تسير إلا بنفخهم الروح والرياح في أشرعتها وأولهم الباشا (كاشا) الذي ظن أنه إذا لم يمسك دفة السفينة في ولايته فسوف تغرق السفينة، فغرق (كاشا) ومن معه، ولم يستطيعوا اللحاق ب (جودي) المؤتمر الوطني التي ظلت طافية الى أن حلقت فوقها حمامة السلام تحمل في منقارها غصن الزيتون، وأزهار اللارنج، وأريج حدائق سينين، وحفنة من تراب الأرض والطين، وبشائر العودة الى الأرض يبثونها أشواق السينين قال الرئيس: إن كاشا جاء ترتيبه الرابع في قائمة الخمسة المرشحين لمنصب الوالي، وكان أولهم على محمود، ورغم هذه النتيجة اختار الرئيس (كاشا) لمنصب الوالي، وسلم حقيبة وزارة المالية للسيد علي محمود، وعند التعيين الجديد رفض كاشا التعيين إلا بشرط إعفاء علي محمود من منصبه كوزير للمالية، وبالطبع رفض الرئيس هذا الشرط، وعين والياً آخر، ومن ثم اندلعت الحرائق في الولاية، ولم تسلم حتى البنايات الحكومية، وهنا يأتي السؤال من تسبب في اشعال هذه الحرائق؟.. الجواب يأتي من جوف السؤال.. إنهم السبعون المبشرون بالسلطة والصولجان في الولاية.. هؤلاء (السبعون) الدستوريون الذين عينهم كاشا في الوقت الذي ترزح فيه البلاء تحت جائحة البطالة، بينما السبعون الدستوريون قد استمرأوا مسألة شغل الوظائف كما قال الرئيس، ويريدون الاستمساك بها رغم أنف المؤتمر الوطني، وذلك دون أدنى شفقة على البلاد وحالها المعروف لدى كل أهل السودان. نقطة أخرى وضعها الرئيس على حروف أبجدية النزاع المفتعل بين السودان ودولة الجنوب-الشقيقة- حيث قال الرئيس: إن المناخ العام الآن بين البلدين أقرب الى الحرب والى ما صنع الحداد، غير أن السيد الرئيس أكد في اللقاء أن السودان لن يسعى للحرب التي يمكن أن تفرض عليه. تحدث الرئيس في اللقاء عن الفساد، حيث أكد أن الدولة درجت كل عام على تقديم تقرير المراجع العام للهيئة التشريعية القومية، وهذا لم يكن مسبوقاً في العهود السابقة، وأضاف الرئيس أن الحديث عن الفساد متاح ومباح ولاحجر عليه، وذكر أن هناك لجنة حسبة وقوانين وآليات خاصة بذلك، ومن ثم فلا كبير على القانون. ونقطة أخرى وضعها الرئيس فوق حروف أبجدية اللقاء وهي المذكرة التصحيحية والتهديد بمذكرات أُخر، فابدى السيد الرئيس رغبة صادقة في تجاوز تلك المذكرة أو المذكرات القادمات، ثم تحدث السيد الرئيس عن الترهل الوظيفي في الدولة، برغم سياسيات التقشف المعلنة، فذكر أن دخول الأحزاب في السلطة وإعادة توزيع الولايات اعتبر ذلك ضرورة من الضرورات التي تبيح المحظورات، ثم تحدث السيد الرئيس عن قضية المناصير، حيث قدم لها فذلكة تاريخية وانتهى سيادته الى أن المناصير لا يعجبهم العجب، وكلما حلت لهم الحكومة مشكلة يدخلون في مشاكل أخرى، الى أن انتهى بهم المطاف الى الاعتصام المستدام بالدامر. عموماً فإن لقاء السيد الرئيس بقناة النيل الأزرق جاء في وقته، حيث تفضل السيد الرئيس بتوضيح الكثير من القضايا، وأزال ما اعتورها من (غباش) غير أن مقدم اللقاء قد غاب عنه طرح بعض القضايا الأخرى، مثل حرية الصحافة، واغلاق بعض الصحف، ومنها على سبيل المثال لا الحصر صحيفة (الوان) التي تم اغلاقها بالضبة والمفتاح والشمع الأحمر، بحجة أن (الوان) قد تجاوزت الخط الأحمر في الحوار الذي أجرته مع القيادية البارزة (لبابة الفضل)، يبدو أن (لبابة) لم تكن السبب الوحيد، كما لم يتطرق اللقاء الى مسألة اغلاق إذاعة ال (B.B.C) (الاف ام) بالخرطوم ويبدو، إن هذا الإغلاق ليس بيد وزير الإعلام السابق أو اللاحق، وإنما ذلك يعزى الى السياسة العليا للدولة.. كما أن اللقاء لم يتطرق الى السياسة الخارجية للدولة، وخاصة سوريا الشقيقة، التي مازالت (لدغة) الدابي تسمم الأجواء في المحيط العربي.. وبمناسبة ذكر الحراك الصحفي فإن هناك منظمة سودانية مية المية اسمها (منظمة ميديا) تعمل في مجال النشر والتوثيق لمنظمات المجتمع المدني والعمل الطوعي، حمل أمينها العام مشروعاً متكاملاً لاصدار صحيفة ومجلة، تعمل في المجال الصحفي والإعلامي للمنظمات في الوطن العربي والإسلامي، وسعى الى الدكتور (نافع) لمعاونته في اصدار الصحيفة والمجلة، وسلمه المشروع يداً بيد، ولكن دكتور جيكل ضرب الطناش، بعدها سعى الرجل الى البروفيسور غندور، وما كان بروفيسور غندور بأفضل من الدكتور، بل وزاد عليه، حيث أنه لم يتفضل باستقبال أمين عام المنظمة في مكتبه، والغريب العجيب أن أمين عام المنظمة كان قد سمع عنه (الاتحاد العربي للعمل التطوعي)- ومقره الدوحة- ويعمل تحت مظلة جامعة الدول العربية، فرحب الاتحاد بمشروع (منظمة ميديا) السودانية، بحسبانه يهدف الى نفس أهداف الاتحاد، وقد أبدى الاتحاد عن طريق مندوبه بالسودان رغبة في أن تتعاون المنظمة مع الاتحاد العربي للعمل التطوعي، بل وأبدى رغبته في تعيين الأمين العام لمنظمة ميديا عضواً في لجنة الإعلام بالاتحاد، والترتيبات جارية الآن في هذا الصدد. رغم ماحدث من معاوني الرئيس، إلا أنني أقول مجدداً (شكراً نبيلاً سيدي الرئيس).. إنه حقاً لقاء فوق السحاب.