يبدو أن روح المؤامرة أصبحت هي المهيمن على المشهد العام في حياتنا، خاصة في جانب السياسة، وكل جوانب المناشط القائمة على مبدأ التنافس، سواء أكان ذلك في الاقتصاد أو العمل العام أو الخاص، لكن الصورة تكون أكثر جلاء ووضوحاً في العمل السياسي. تاريخنا السياسي حافل ب(التآمر)، ولا أعرف سبباً يجعل هذا الأمر غائباً أو مغيباً عن ذاكرتنا المجتمعية، فالتنافس الحزبي- في كثير من الأحيان- يقوم على التآمر ب(تأكيد الذات الحزبية) وإقصاء الآخر، أو السعي للتقليل من قيمته وقيمة انجازاته، حتى وإن رفع العلم. والأمر لا يرتبط بنظام حكم معين دون غيره، ففي عهود الحكم الديمقراطي، تحدث المنافسة لكسب أصوات الناخبين، ويحدث في الليالي السياسية (تعديات) على المنافسين، تتجاوز الخطوط الحمراء، ولا يقرها شرع أو عرف، وربما عاقب عليها القانون في بلاد أخرى، لولا أن ساستنا- عفا الله عنهم- يتعاملون بمنطق النيران، والنيران المضادة. سحب الثقة من الحكومات في العهود الديموقراطية يكون دائماً نتيجة مؤامرة، إذ تتحرك قيادة المعارضة لأجل إثبات فشل الحكومة في معالجة قضية ما، وتسعى لحشد المؤيدين سراً ثم علناً، مستخدمة كل الوسائل لإسقاط الحكومة، التي يضمر قادتها ذلك في دواخلهم ويتحينون الفرص ويتصيدونها لرد الصاع صاعين، و(التحية) بأفضل منها. الانقلابات العسكرية هي تآمر على الحكم المدني، لأن مجموعة من الضباط تجتمع سراً بغرض الاستيلاء على السلطة من أيدي الغير، مثلما حدث بالسودان في السابع عشر من نوفمبر عام 1958، والخامس والعشرين من مايو عام 1969م، والثلاثين من يونيو عام 1989، وهذه الأنظمة نفسها تعرضت لمؤامرات داخلية تمثلت في الانقلابات والانقلابات المضادة التي يكون ثمنها غالياً، ليس أقل من روح ودم. بلادنا كلها تعاني التآمر-الداخلي والخارجي- والمتآمر في كثير من الأحيان هو الكائن الأضعف الذي لا يملك قوة لفرض أفكاره وتوجهاته، لذلك يلجأ للحيلة والتآمر حتى ينقض على مقعد الحكم لتنفيذ برامجه، وانزال سياساته على الآخرين.. والأمر لم يعد قاصراً على السياسة وحدها- كما أشرنا من قبل- فويل لك إن شاء حظك العاثر أن تكون عضواً في جماعة من المتآمرين الذين لا يحفظون وداً ولا عهداً ولا يرعون إلاً ولا ذمة. صحف الأمس حملت ما يستوقف حقاً، وما استوجب التعليق عليه من خلال هذه المساحة، فقد جاء في صدر هذه الصحيفة، وبأكبر خط في صفحتها الأولى: «الشعبي: الاتحادي الأصل يتآمر على النظام من الداخل»، وقد كان هذا هو رأي الأمين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي، صديقنا الأستاذ كمال عمر، وهو قد قال ما قال، ونحن لا نستطيع التأكيد أو النفي، ولكن مثل هذه التصريحات النارية ربما كانت نوعاً من الكيد السياسي، أو زرع الشكوك في نفس الشريك الآخر، لأن الكتمان وعدم الوضوح عادة ما يثير الريب.. والمتآمر دائماً إما حاسد أو ضعيف. وفي صحيفة (الرأي العام) الغراء الصادرة صباح أمس حوار مع الباشمهندس الطيب مصطفى رئيس منبر السلام العادل، تناول فيه المحاور شؤوناً عديدة، لكن أبرزها كان الدستور الإسلامي، ففجر الباشمهندس الطيب (قنبلة) من خلال طرحه لاستنتاج يُحِّمل صديقنا الأستاذ كمال عمر، الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي إمكانية أن يكون هو نفسه (مؤتمر وطني مدسوس) لتحطيم الشعبي. سبحان الله..