«أنا متآمر كبير» عبارة لم يجرؤ أحد على الجهر بها أو نسبها لنفسه كما فعل وزير جهاز الأمن الأسبق العميد أمن «م» عبد الرحمن فرح، لطبيعة الفعل وعدم قبوله عند المجتمع، ولكن البعض يتآمرون على جهات بينهم وبينها عداوة وتتعارض غاياتهم ويكون قد شاركها أساسًا من أجل هذا الهدف خاصة في مجال السياسة التي تُبنى على المصالح، وقد يجد كثيرون بعض العذر في هذه الحالات، ولكن أن يتآمر مسؤول ضد حكومته أو جهة ارتضى أن يكون هناك اتفاق بينهما هنا يأخذ الأمر منحى آخر. فرح في حواره الشهير مع الزميلة السوداني قال: «لو كان ناس الإنقاذ أدوني فرصة شهرين كنت قلبت الحكم ذاتو»، ويقصد هنا الحكم الذي كان جزءًا منه ويشغل منصب مدير جهاز الأمن فيه، ولكن كثيرين غيره يقومون بالتآمر على حكومات هم جزء منها ثم تمر الأيام ويكشف عنها غيرهم كإشارة الوزير الأسبق الفريق عبد الرحمن سعيد للزميلة «الأهرام» عندما قال «كان الناس في حكومة الوحدة الوطنية البعض منهم يتآمر ويعمل بتوجيهات أحزابهم». وتتجلى خطورة الأمر عندما تذهب الأضرار الناجمة عنه إلى إفشال برنامج الحكومة المتفق عليه ويتجاوز ذلك إلى الإضرار بالوطن والأسباب التي يشار إليها دائمًا في هكذا حال هي جمع الحكومة بين المتناقضات حيث يصبح فيها تغليب المصلحة الشخصية أو مصلحة الحزب فوق مصلحة الوطن، وهنا يشير الكثيرون إلى مواقف بعض الوزراء والمسؤولين في حكومات الائتلاف بين الحزبين الكبيرين «الأمة والاتحادي» بتعددها، وفي حكومة الشريكين عقب اتفاق السلام بين الوطني والشعبية، وما كشف عنه سعيد في أحزاب حكومة الوحدة الوطنية وكذلك في حكومة نميري حيث قال العميد أمن «م» حسن بيومي ل«الإنتباهة»: «نميري فقد سلطانه بتآمر من ناسو»، وأضاف: بحكم معايشتي لتلك الفترة «حكاية أن يذهب نميري ثم لا يعود هي أيضًا كانت مؤامرة من الداخل»، وسرد العديد من الأحداث والمواقف التي اعتبرها مؤامرة من داخل نظام نميري، وأرجع هذا الفعل لضعف الجانب الوطني الفاعل في مقابل الحصول على منصب أعلى أو مال، وقال: ذاكرتنا مليئة بالأسماء ولكن لا نستطيع أن نقولها، ونعتبر ذلك عيبًا وليس من أخلاقنا، وبعض هؤلاء صحا ضميرهم الآن: وأردف: «الآن نرى أشياء كهذه تحدث في البلد وهو شيء غير حميد وضرره بالغ عليه»، واعتبر بيومي أن الانقلابات العسكرية هي نوع من التآمر على النظام وأن معظم ما تقوم به السفارات من عمل يقوم بمدهم به جواسيس العديد منهم مسؤولون. وفي ذات الأمر يعتبر الكاتب والمحلل المعروف د. عبدالوهاب الأفندي أن أكبر المؤامرات التي وقع السودان ضحيتها تحاك داخل أروقة صنع القرار وفي الخرطوم نفسها، وقال في مقال نشرته العديد من الصحف «إذا كان لابد من البحث عن متآمرين ومندسين فإن البحث لا يجب أن يتعدى القصر وقيادات الأجهزة الأمنية والوزارات الكبرى» فهنا تحاك المؤامرات في رأيه، ويقصد الأفندي هنا الإجراءات والسياسات الخاطئة على كل الأصعدة خاصة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية مما يُوقع البلاد في كثير من المشكلات التي يتخذها المتربصون من الخارج ذريعة ومدخلاً، وقد تكون الإجراءات الخاطئة مقصودة من بعض المسؤولين نكاية في شخص أو في الحكومة نفسها وضرب الرجل مثالاً لذلك أسباب أزمة الاقتصاد الحادة التي تمر بها البلاد، ويتطابق مع رؤيته تلك اتهامات وزير المالية لمسؤولين بالتآمر على البلاد وضرب اقتصاده بتسبُّبهم في غلاء الأسعار وارتفاع الدولار، وأشار الأفندى إلى أبيي التي قال إن الحكومة تنازلت عنها طوعًا ومن ثم لجأت لاستعادتها بالقوة. وأدرج الكثيرون ما كان يقوم به الأمين العام للحركة باقان أموم عندما تولى منصب وزير مجلس الوزراء ووزير الخارجية دينق ألور في خانة المسؤولين المتآمرين، ووصف البعض ما قام به عقار في النيل الأزرق بالمؤامرة رغم جهره المتكرر بأن معركته مع النظام في الخرطوم وهو والٍ في ذات الحكومة، بجانب الحديث عن طابور خامس ومسؤولين آخرين متآمرين معه في الأحداث. ويرى كثيرون أن القضية ذات تاريخ طويل حيث يقول بيومي: المسألة قديمة وخطيرة، ونرى أشياء تحدث الآن وهو شيء غير حميد، وذكر الكاتب الصحفي مصطفى البطل في مقال له بعنوان «قضاة متآمرون وصحفيون مرتشون» نقلاً عن مذكرات لآخرين كيف أن مواقف القاضي بابكر عوض الله كانت مناقضة لروح المنصب الذي تولى أمانته وهو منصب نائب رئيس القضاء، حيث شارك بهذه الصفة الرسمية في تأسيس تنظيمات سياسية «كالبعث والناصريين» وحضور اجتماعات مع مسؤولين أجانب وهو أمرٌ يمس أمانة القضاء وشرفه كسلطة سيادية مستقلة.. وإجمالاً لكل ما ورد فإن كشف المتآمرين قد يكون حلاً ناجعًا لإيقاف فيضان نهر التآمر!