توجه السيّد رئيس الجمهورية، المشير عمر حسن أحمد البشير يوم أمس إلى المملكة العربية السعودية الشقيقة، على رأس وفد عال، ليبحث مع شقيقه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين، مع بحث القضايا الإقليمية والعالمية المرتبطة - كلياً أو بشكل ما - بكل من السودان والسعودية في محيطهما الداخلي والإقليمي والإسلامي والعالمي. توجه السيّد الرئيس البشير إلى السعودية، جاء بعد عودته مباشرة من «الدوحة» بعد أن شارك في قمة التوصيل العربية، وأجرى على هامشها لقاءات مهمة مع عدد من المشاركين في القمة، وعقد قمة ثنائية مع صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة أمير دولة قطر الشقيقة بحث معه خلالها عدة قضايا مشتركة، ربما كان أبرزها تواصل الدور القطري - المقدّر - في الدفع بعملية السلام في دارفور، ومساهمة قطر في مشروعات تنمية الشرق، إضافة إلى بحث بعض العناوين العريضة في ملف الاستثمارات القطرية في السودان، إلى جانب مناقشة الدور القطري في دعم الاقتصاد السوداني حتى يتجاوز محنة وتأثير خروج النفط من قائمة عائدات الدولة. زيارة السيد الرئيس البشير إلى المملكة العربية السعودية تزامنت مع زيارة يقوم بها الدكتور نافع علي نافع، مساعد رئيس الجمهورية إلى الجمهورية العربية اليمنية الشقيقة، على رأس وفد عالٍ يضم عدداً من القيادات السياسية الفاعلة، من بينها الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل، والزيارة خارج الإطار المعلن ربما كانت لتقديم الدعم الصريح للقيادة اليمنية الجديدة وللرئيس المنتخب السيد عبد ربه منصور هادي، والدعم السياسي لرئيس الوزراء المتفق عليه السيد محمد سالم باسندوة، وهو موقف مطلوب من الحكومة السودانية لارتباط وتداخل مصالحها الأمنية في البحر الأحمر مع الدول المطلة عليه. وسبق هذه الزيارات وتلك، زيارات دولة رسمية قام بها رئيس البرلمان الأستاذ احمد إبراهيم الطاهر إلى مصر الشقيقة قدم من خلالها تهنئة الشعب السوداني - ممثلاً في برلمانه - لفخامة المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس العسكري المصري، وللدكتور كمال الجنزوري رئيس الوزراء بمناسبة نجاح الثورة الشعبية في مصر، كما قدم تهانيه وتهاني الشعب السوداني للدكتور سعد الكتاتني رئيس مجلس الشعب المصري بنجاح الثورة، وثقة النواب فيه باختياره رئيساً لأول مجلس شعب منتخب بعد نجاح الثورة. زيارة الأستاذ أحمد إبراهيم الطاهر إلى مصر أعقبتها زيارة أخرى إلى البحرين، جرى فيها تنسيق تام في المواقف، وأوضح السودان موقفه تماماً في قضية التدخلات الخارجية التي ظلت مملكة البحرين الشقيقة تشكو منها، وأدت إلى محاولات سعى من ورائها الذين يحاولون التدخل في الشأن البحريني إلى زعزعة أمن تلك المملكة الهادئة والثرية الوادعة التي يتمتع أهلها بقدر كبير من الحريات في ممارسة العمل السياسي. ما أشرنا إليه من زيارات هو مجرد «عناوين عريضة»، وهناك تفصيلات أكثر دقة حول الملفات التي تمت مناقشتها فيها، ولكن تبقى أهم الملفات هي تلك المتصلة بالأمن والاقتصاد، إذ أن استقرار الحالة الأمنية يدفع بالتنمية، ومن ثم يعمل على تقوية الاقتصاد. ونعود لزيارة السيد رئيس الجمهورية إلى المملكة العربية السعودية، لنقول إنها تتصل مباشرة بذينيك الملفين، أي الأمن والاقتصاد، فغير أمن البحر الأحمر، هناك هاجس الجماعات المتطرفة في كل من البلدين الشقيقين، وهناك وجود لتلك الجماعات يهدد أمن واستقرار المنطقة، يتمثل في وجودها باليمن، ولم تزل ألسنة اللهب متقدة حتى الآن في بعض المناطق اليمنية نتيجة أفعال تلك الجماعات، كما لم تزل سحب دخان الحرائق قائمة تدل على ما قامت به تلك الجماعات. وهناك ملف الاقتصاد المنقسم إلى جزئين، الأول هو ما يتصل بتعامل الحكومات المباشر، والثاني هو ما يرتبط بالقطاع الخاص في كل من البلدين، ونعني به الاستثمارات الخاصة. الأول سيتم التباحث فيه - حسبما نرى - حول مساعدات اقتصادية عاجلة تؤمن وضع الدولة واستقرارها الاقتصادي إلى حين تجاوز الأزمة، وظهور نتائج الاستكشافات النفطية الجديدة واستثمار المخزون الضخم المكتشف في الحقول الجديدة. أما الجزء الثاني من الملف، وهو ذلك المرتبط بالاستثمارات السعودية في السودان، فإننا نتوقع أن يتم خلال مناقشته طرح أمر القوانين والتشريعات الخاصة بقانون الاستثمار، وهذه تحتاج إلى مراجعات وتنقيح وتصحيح وتعديل بما يعمل على جذب المستثمرين من كل أنحاء العالم ومن دول المحيط العربي على وجه الخصوص. نتوقع من خلال قراءتنا للواقع السياسي والأمني والاقتصادي الحالي للسودان، أن تجد الخرطوم دعماً غير محدود في موقفها من القضايا العالقة بينها وبين دولة جنوب السودان، ونتوقع ذلك الدعم في حالتي السلم أو الحرب التي ليست من المستبعد أن يتم الإعلان عنها رسمياً بعد الفشل الذي ظل يلازم المفاوضات بين السودان ودولة جنوب السودان في أديس أبابا. ونرى أن حقيبة السيد رئيس الجمهورية عند عودته من «الرياض» إلى «الخرطوم»، ستكون محملة بالمشروعات الناجزة النافذة التي ستخرج بالسودان من نفق الانفصال، ليجد نفسه في محيطه العربي، مطمئناً لتحقيق الأمن والاستقرار معاً.