الواقع الذي فُرض علينا في الشمال والجنوب، بعد حدوث الإنفصال يجعلني أتحدث بلغة أبعد ما تكون عن لغة العواطف، تلك التي جربنا الكتابة بها قبل الاستفتاء، ورغم أنها عواطف صادقة وجياشة، لكنها ما جابت حقها، وأتضح أنها ما بتاكل عيش، وحدث أن أنقطع جزء عزيز وغالٍ من الوطن «أحلف على المصحف» أن معظم الشماليين والجنوبيين غير راضين عنه، لكنها السياسة التي تجعل أقدارنا في يد آخرين، هم من يقودون الدفة، وليس بالضرورة أن تكون اتجاهاتهم دائماً في الدرب الصحيح، أقول إن الواقع الذي نعايشه ما بعد الانفصال يجعلني أتحدث بلغة العقل والمصلحة، والعقل يقول إنه لا فائدة ولا جدوى في أن تظل طبول الحرب تقرع ما بيننا وجنوب السودان، والمصلحة تقول إنه إن كان في الحريات الأربع ما يعيد الهدوء والسلام والسكينة للشعبين، فما المانع في أن تطبق على أرض الواقع، خلينا نتفق أن الحساسية المفرطة من الحركة الشعبية تجاه المؤتمر لوطني- والعكس صحيح- ما ينبغي لها أن تتحكم في مصير أمة بأكملها وتحيلها إلى خراب وتراب، علينا أن نحكم صوت العقل «ونعصر على روحنا ليمونة» ونبلع بعضنا من أجل ألا نعود لمربع الحرب الأول، ونفقد شباباً ورجالاً وأجيالاً لا مبرر لأن ترفع البندقية، طالما هناك فرصة لأن تضع أرضاً سلاح!!. الذي أود أن أقول إن إتفاق الحريات الأربع إن كان هو الحل والمخرج، والنفق الذي نطفئ من خلاله النيران المشتعلة غرباً وجنوباً، فنفذوه الليلة قبال بكره، وهو لن يكون وضعاً شاذاً ولا غريباً، لأنه اتفاق بالفطرة، وجدنا أنفسنا عليه- شماليين وجنوبيين- منذ أن عرفنا الحياة لكن الله يجازي الكان السبب!. كلمة عزيزة تابعت باهتمام بالغ وهدوء مطبق الحوار الذي أجراه الأخ الطاهر حسن التوم في برنامجه مكتمل الصورة «حتى تكتمل الصورة» على شاشة النيل الأزرق، وأظن أن مبدأ الشفافية الذي أدير به الحوار يؤكد أننا بلغنا حداً معقولاً من درجات حرية الرأي، هو بالتأكيد دليل عافية للإعلام الحر الذي ننشده، ورغم اللهجة «السخنة»، التي استخدمها الأستاذ الخطيب في مواجهة الأستاذ الطيب مصطفى، إلا أنني أحترمت عقلانية وترتيب أفكاره، والمنطق الذي تحدث به، وبالمقابل لم استطع- للأسف- أن أطرد صورة باقان أموم من رأسي، والأخ الطيب مصطفى يدق طبول الحرب، صحيح باقان والطيب كلاهما انفصالي بوجهة نظره، لكنها في النهاية لغة الخراب والشتات واللحن الجنائزي الذي يرقصان عليه، والبلد بطلع في الروح!!. كلمة أعز: رجاءً وباسم آلاف الأمهات، دعوا الأجيال القادمة تنعم بالسلام والأمن والطمأنينة، «جيل صحيح البدن والنفس، وليس جيلاً نصفه نازح ونصفه مشرد».