وزراء المالية كما هو معروف قلما تجدهم يتحدثون لوسائل الإعلام بحكم حساسية مناصبهم، وإفاداتهم تظل محفوظة ومحسوبة، لكن ما أدهشني حقاً هو جرأة وزير المالية السيد علي محمود، وشجاعته، ويقيني أنه واثق كل الثقة في نفسه، فلم يقل إلا حقاً، ولم يعد إلا صدقاً، فمجرد ظهوره على الشاشة البلورية في لقاء ليس بالقصير بشر بخططه، فهو معروف بمثابرته، لا يعرف اليأس، ولا يستبطيء النتائج، بل يلتزم بالخطة من خلال حذاقته في كل المناصب التي تولاها من قبل، حيث كان مردوده ثراً، ومتنوعاً، فإن اختياره لهذا المنصب الرفيع والخطير، جاء على خلفية ما أسلفنا من صفات يتمتع بها هذا الرجل، تماثل الصفات المطلوب توافرها في قادة وتنفيذيي هذه المرحلة الخاصة من تاريخ السودان. فالتكليف جاء متسقاً مع استعداد الرجل لتحمل العبء الثقيل، فلا نستغرب الصراحة والشفافية التي اتسم بها لقاؤه التلقائي الطويل. كما أن الحوار كان مبادرة جريئة للتواصل مع الناس، والالتصاق بالقاعدة، والاهتمام بقضايا معاشها، فهذا يعكس مدى انشغال وانفعال المسؤولين بهموم الناس، التي تقض مضاجعهم، لا سيما مشاكل القوت التي أصبحت تهدد حياة الناس في العالم أجمع، لا أحد ينكر ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية عالمياً، بل الارتفاع الكبير في سعر الغذاء بصفة عامة، بسبب قلة إنتاجه، مقارنة بالزيادة الكبيرة والمضطردة في حجم السكان، واتساع استخدامات السكر، والحبوب في صناعات باتت تنافس الإنسان في طلب هاتين السلعتين الضروريتين، فصناعة الوقود الحيوي أصبحت غولاً يبلع فائض الحبوب في العالم، بينما استأثرت الصناعات المستخدمة للسكر بنصيب كبير من منتوج هذه السلعة، وحسب قول السيد وزير المالية، فإن الحكومة قد أفلحت في الإستعداد لتوفير وتأمين قوت الإنسان في السودان، من خلال التوسع في صناعة السكر، والدعم الكبير للقطاع الزراعي، تحت واجهات آخرها النهضة الزراعية. حيث جاء الدعم متنوعاً وشاملاً، من تمليك وسائل الإنتاج إلى توفير المعينات الضرورية لتحقيق الطفرة الإنتاجية، ولعل حديث الوزير عن إدارة الإنقاذ للاقتصاد الكلي والتحول الجزئي لاقتصاد السوق، مع الأخذ في الاعتبار العناية بالشرائح الضعيفة عبر دعمها، حتى لا تتحمل القدر الأكبر من مضاعفات حركة الاقتصاد الكلية، حيث كانت هذه الشرائح في بؤرة اهتمام الحكومة، وأفردت لها مشروعات الأسر المنتجة، والصناديق الاجتماعية، التي دعمتها المالية مباشرة، لامتصاص الآثار الاجتماعية السالبة للسياسة الاقتصادية (التكافل الاجتماعي- الزكاة- العلاج)، التي أنتهجت في ظروف تنعدم فيها فرص النجاح بسبب الحصار الاقتصادي الواسع الذي واجهته الإنقاذ، وكذلك الاقتصاد المنهار الذي ورثته، لكن بذات الجرأة والشجاعة التي تحدث بها وزير المالية وبصورة مباشرة، واجهت الإنقاذ وأنجزت وأحدثت التحول الكبير في الاقتصاد. بالطبع لذلك ثمنه، لكن الإنجاز كان ذا نفع عظيم، نحن لسنا بصدد تعداد نجاحات الإنقاذ ومنجزاتها، فهي بادئة وبائنة، وما لفت نظري وجذب انتباهي الثقة المفرطة للسيد وزير المالية في نفسه، ومنهجه، وإدارته، وكذلك نيته في تقديم نموذج فريد من خلال وعوده بالتحسن الشامل للاقتصاد، والالتزام بإنفاذ مشروعات النماء الشامل في الإنتاج والمعرفة، وتوجيه النشاط الإنساني لخدمة الإنسان، والمساهمة في دفع عجلة الاقتصاد نحو الكفاية الإنتاجية والخدمية، ولعل الحوار المباشر في ذاته ظاهرة تستحق الثناء، بالصورة التي جاء بها الحوار، وعلى الرغم من أنني أعتب على المحاور، حيث إنه لم يستنطق قدرات الوزير التي نعرفها منذ أن كان في بنك الثروة الحيوانية، ومشروع السافنا، وشركة مواشينا، وبحكم العلاقة اللصيقة أعرف أنه من طراز فريد، وله استعداد للعطاء، تدعمه معرفة ثرة، ومزاوجة بين الأكاديمية، والخبرة، والدراية، فهو ينبوع النجاح وذخره. ولقد وعد في تصميم على مواصلة المشروعات وتنوعها، والتركيز على كل ما يرتبط بحياة الناس ورفاهيتهم. فمن أبرز ثمرات هذه الشفافية التي ابتدرها الوزير علي محمود أنها تقرب الثقة، وتردم الهوة بين الحاكم والمحكوم، فإذا ما سار الجهاز التنفيذي كله على ذات النهج، فمن المؤكد أن النجاح سيتعاظم، وسيتحقق التفاعل المطلوب مع قضايا الجماهير، وليس هذا فحسب، بل سيكون الرئيس المشير عمر البشير قد حالفه التوفيق في اختيار كوكبة من الوزراء قدر المرحلة والتحدي.