حوار: روضة الحلاوي تصوير: متوكل البجاوي أكد د. بابكر محمد توم أن الإصلاحات الاقتصادية المطروحة الآن يتوقف نجاحها على الآلية التي تنفذ عبرها، مقترحاً أن يترأسها النائب الأول لرئيس الجمهورية حتى تؤدي دورها، وأوضح في حواره مع «الإنتباهة» أن السبب المباشر لارتفاع الأسعار عدم وجود الموارد. وأن إشكالية الاقتصاد تكمن في أن صرفنا أكبر من دخلنا، وطالب بابكر وزارة المالية بضرورة فرض هيمنتها وسيطرتها على الوزارات المستأسدة حتى يكون هناك ضبط وربط، وقال إنهم يرفضون قيام اية شركة حكومية، موضحاً أن الشركات التي قام الرئيس بتصفيتها وُجدت فيها مخالفات كبيرة وكانت تعمل بالخسارة، وغيرها من قضايا الاقتصاد التي ناقشناها معه. بداية ما هي المشكلات التي يواجهها الاقتصاد الآن والتي استدعت إجراء هذه الإصلاحات؟ الاقتصاد يعد بداية لتنفيذ موازنة 2012م، وبفقدها مبلغ يفوق ستة مليارات جنيه ايجار خطوط بترول الجنوب أصبح الاقتصاد السوداني يعاني عجزاً كلياً في الميزانية في الربع الاول، أي أن 30% من الايرادات مفقودة، وما حدث خلال هذه الثلاثة أشهر سوف تضطر الدولة بسببه لطباعة عملة او تستدين من اية جهة.. أما غلاء الأسعار فسببه العجز الذي حدث نتيجة لعدم وجود موارد مما يجعل معالجة هذا العجز مشكلة، وكذلك عدم معالجته في كلتا الحالتين إشكالية، والقصد من الإصلاحات التي ستجرى إعادة التوازن للميزانية. ونحن نعاني إشكالية هي أن صرفنا أكبر من دخلنا، ويجب معالجة فقد ستة مليارات نصفها بخفض الصرف «دستوريين إيقاف بعض المشروعات لترشيد الصرف». والمهم هذه الاجراءات الإصلاحية قصد منها مسألة متعددة الجوانب، وحتي وزير المالية عندما قدم اقتراحه في بداية الموازنة قال إنه ينوي رفع الدعم عن المحروقات، فرد عليه البرلمان بأن المحروقات لوحدها لن تعالج المشكلة التي تحتاج لإصلاح شامل، الأمر الذي جعله يأخذ وقتاً طويلاً حتى يأتينا بهذا البرنامج، فالبرلمان رفض منذ البداية مقترح رفع الدعم عن المحروقات، لأن الحل هو عمل إصلاحات مالية ونقدية وإنتاجية متكاملة، فهي توجه لزيادة الإيرادات التي أتت منها زائداً ما تم توفيره من النفقات الذي يوجه الى البرنامج الثلاثي، وهو قطاعات الإنتاج وتركيز البرامج على «8» سلع أربع منها لمعالجة الخلل في الميزان الخارجي، وهو قلة الصادرات، لأنه كان لدينا «8 9» صادرات من البترول في العام، والآن اختفت.. صحيح هناك 2 3 مليارات من الذهب في العام سيحققها الذهب لكنها لا تكفي، لذلك لا بد من التركيز على أربع سلع رئيسة اولها القطن وثانيها الصمغ وثالثها الثروة الحيوانية رابعها المعادن كلها وليس الذهب وحده.. وفي السابق كنا نصدر القطن من الجزيرة والمشروعات المروية الأمر الذي جعل اقتصادنا في حالة جيدة وجنيهنا بثلاثة دولارات وأكثر، وكان القطن يوفر لنا بذرة زيوت الطعام التي أصبحنا نستوردها، وأيضا علف للماشية «الأمباز» وكنا نصدره. ويبقي من الضروري أن نركز على هذه السلع الأربع في صادراتنا. والمؤسف أن هناك سلعاً كنا نصدرها وبكميات كبيرة في يوم من الأيام. والآن أصبحنا نستوردها وبغزارة. ما هي هذه السلع؟ هي القمح والسكر والزيوت النباتية والادوية، وهذا البرنامج فيه عملية توطين القمح وتوفيره بسياسات محفزة لمنتجي القمح، ولا بد أن نعطي المنتج ضعف السعر العالمي وليس كما يحدث الآن في الجزيرة حيث يعطى المنتج سعراً أقل من سعر الذرة، فلماذا يعامل المنتج المحلي هكذا ما دام استورد بالدولار ودفع تكاليف ترحيل. ثانياً سلعة السكر.. فنحن نتحدث كثيراً عن مصانعنا لكن مازال إنتاحنا أقل من الاستهلاك، ونحن الآن نحتاج لتوظيف الجهد والوقت والمال. والسلعة الثالثة هي الدواء وتدور حولها صراعات قوية بين الشركات التي تعمل فيها، لذلك لا بد من الاتجاه لصناعة الدواء «الجنريك» وهذه تعني التصنيع دون الماركات العالمية، وهذا الحل سبقتنا اليه البرازيل وجنوب إفريقيا، ويتوقف على الجرأة والقدرة والمعرفة وتوظيف خبراتنا في هذا المجال، وإلا ستصبح الأدوية بسعر الدولار الحر لذات العلامات التجارية.. أما السلعة الرابعة فهي الزيوت النباتية التي كنا في التسعينيات نصدرها والآن يجب أن تأخذ اهتماماً أكبر في البرنامج حتى نقلل من استيرادها، لأننا الآن نستورد أكثر من ربع مليون طن من السكر وندفع ما يزيد عن «500» مليون دولار للأدوية ... لكن اتوقع في المرحلة التالية أن نكتفي ويمكن أن نصدر هذه السلع.. وستسهم كل ولاية بمنتوجاتها، إضافة للمعادن التي اكتشفت وأصبحت متوفرة في كثير من المناطق، والبرنامج يدعو لتركيز الاهتمام بكل السلع بدلاً من التركيز على سلعة واحدة.. وحتى على مستوى الخريجين العطالى هناك مبالغ ضخمة ضخت للبنوك في انتظار هؤلاء أن يأتوا بمشروعاتهم للاستفادة من ال 12% الموجودة في البنوك للتمويل الأصغر، وألا يتخوفوا من الضمانات، وهناك ضمانات جماعية للنقابات. لكن التمويل الأصغر غير متوفر، وللحصول عليه يواجه الشخص كثيراً من التعقيدات؟ لا بد من قيام مؤسسات للتمويل الأصغر خاصة بكل ولاية، لأن التمويل الأصغر ليس من مهام البنوك التجارية، وهي مهمة اجتماعية القصد منها تنيمة المرأة الريفية. والبنوك بوضعها الحالي لا تستطيع أن توفر التمويل لكل المواطنين، لذلك لا بد من قيام مؤسسات تمويل أصغر في كل ولاية خاصة بها، والأهم أن يسبق ذلك تدريب حقيقي لكل طالب تمويل، ودراسات الجدوى وهي ورقة فضفاضة يجب أن تخرج من الشخص المستفيد نفسه. في تقديرك بصفتك اقتصادياً ما مدى توفر فرص نجاح البرنامج المطروح لإنقاذ الاقتصاد السوداني من وهدته؟ نجاح هذا البرنامج يعتمد على قوة الآلية التي يتم عبرها التنفيذ، وأنا اقترح أن يرأس النائب الأول الآلية التي تتابع البرنامج كما رأس لجنة معالجة التمويل، وهذه الآلية بها كل وزراء القطاع المهتمين بهذه السلع بما فيهم قطاع الرعاية الاجتماعية، ونحن نريد أن يركز عليها الإعلام حتى يتعرف الناس عليها، وألا نتحدث فقط عن المحروقات، ووزير المالية سيظلم البرنامج إن ظل يتحدث عن المحروقات دون بقية الإشكلات لأنها جزء بسيط، لأن المسألة الأهم هي توجيه الموارد وتبشير المنتجين، لأن المزارعين يتحدثون عن عدم منحهم تمويل العام الماضي، لذلك يتوجسون من دخول هذا الموسم، في حين أن وزير المالية في العهود الماضية كان يقيم في الجزيرة أكثر من الخرطوم ويبشر المزارعين، وعندما انتقده رئيس الوزراء جاء رده قائلاً: «وجودي في الخرطوم بصرف قروش، لكنني عندما أكون في الجزيرة فأنا أزيد من الانتاج لأنه لا بد من تبشير المنتج»، لذلك أقول حتى ينجح هذا البرنامج ضروري أن نعيد للمزارع فرحته بالإنتاج. إذن ماذا عن الإصلاح المؤسسي؟ أصلاً الدولة تنتهج برنامج ترشيد الحكم، ومنذ زمن أقامت برنامج التعدد السياسي، وفي مجال الاقتصاد هناك الادارة الحسنة للموارد الاقتصادية بشفافية وعدالة، وإعمال برامج المحاسبة والمراجعة، وهناك جانب الحوكمة المؤسسية أو حوكمة القطاع الخاص، وهي أن يكون العمل التجاري والاقتصادي وفق أسس سواء في القطاع الخاص أو مؤسسات الدولة، وبمجالس إدارات وإدارات تنفيذية، والتزام مبدأ المسؤولية لكل قطاع. وصدر قرار في عام 2004م يفصل مجلس الإدارة عن المدير العام، وذلك بأن يكون مُطلعاً على الأموال والميزانية العامة والأداء لكل ثلاثة أشهر بواسطة المراجع العام وتقديم الحسابات لوزارة المالية، ولا بد أن يطبق هذا النظام لأننا أحياناً نكتشف في بعض المؤسسات أن مرتبات منسوبيها أعلى من مرتبات الوزراء، وكان الإعلام قد تناول بعض الحالات، وواجب الحكومة والمؤسسية ممثلة في وزارة المالية يقع على عاتقها دور كبير جداً وهو إدارة المؤسسات. ويجب على الوزير المشرف على المؤسسات أن تكون لديه نظرة ثاقبة في إدارة المؤسسات، ونحن نطالب بإعادة هيكلة لكل مؤسسات الدولة وهيئاتها العامة، لأننا ضد قيام أية شركة حكومية، حتى أننا علمنا بعد تصفية الرئيس أن بعض الشركات ليست لها أية حوكمة ولا مؤسسية، ومنذ سنوات طويلة لم تقم جمعية عمومية، ومجلس إدارة له عشرات السنين، أو هي شركة خاسرة، وهذا كان واحداً أسباب استنزاف موارد الدولة، والآن الرئيس يسعى إلى تطبيق الخصخصة، ونتمنى ألا تكون هناك شركة واحدة حكومية، أما المؤسسات والهيئات العامة فيجب أن تراجع كل سنة حتى نضمن أن هناك جمعيات عمومية سنوية لكل المؤسسات والهيئات التابعة للدولة، حتى تكون هناك عين عليها تتابعها في أدائها، وما هي رؤيتها المستقبلية، ونعرف بالضبط دور الوزير المختص .. وقبل أيام كان وزير النقل يشكو من بعض الهيئات التي تتبع له. وأنا بصفتي وزيراً لماذا أشكو؟ ولذلك هناك هيئات أو شركات عامة وزراؤها «ما قادرين عليها» وأنا بوصفي وزيراً لا أشكو لأحد، بل أعمل بمبدأ القانون الذي يخول ليّ دوري، وبعدها نحتكم للجهة العليا وزارة المالية «ما عايز أقول نايمة»، لكن هي الجهة العليا، وهناك وزارات مستأسدة على وزارة المالية، ونحن نريد أن تكون لوزارة المالية هيمنة على مثل هذه الحالات، وأنا إذا كنت وزيراً للمالية فإنني أغلق حسابات هذه المؤسسات المستأسدة، ولا بد للمالية أن تكون قوية وعليها إعادة هيكلة المؤسسات والهيئات وإعادة تشكيل مجالس إداراتها باعتبار أن تكون مهتمة أكثر من المالية «وماشة» في الهدف الكلي للدولة، مثلاً نحن نتحدث عن الترشيد، فلا يمكن أن أجدها بعيدة عن الترشيد، ونحن نتحدث عن خفض الإنفاق وأجدها لا تعمل به. ولذلك يجب أن تتحلى بالروح العامة التي جاءت في خطاب رئيس الجمهورية، وعندما نتحدث عن الموازنة لا أقصد بها الدولة بل أقصد شركاتها ومؤسساتها، ومقصود بها بوجه عام القطاع الخاص، والحوكمة والمؤسسية شيء مهم جداً، ومن المفترض بعد أن تم إبعاد عدد من الخبراء والمستشارين وهم ذوو كفاءات عالية، أن نستفيد منهم في مراكز أخرى، والآن الكرة في ملعب الوكلاء والوزراء، وعليهم أن يسدوا الثغرات التي تركها المستشارون والخبراء، بحيث تكون الدولة أكثر قرباً من الجهاز التنفيذي ووزارة المالية.