وبالأمس كنا حضوراً في دار السيد الصادق المهدي.. الراتب تحت عنوان منبر الصحافة والسياسة.. كان الجو العام في الوطن استثنائياً.. وقطعة غالية من تراب الوطن تحت قبضة دولة أجنبية.. نعم إن الوطن هذه الأيام تظلله سحابة قاتمة.. والجو معتكر الجوانب أغبر.. ولكن العزاء كل العزاء أن كل ذاك الغبار سينجلي وسينجاب ذاك العثير.. وثقة بلا حدود.. بل يقين لا يزعزعه ظن.. وثقة لا يخلخلها شك في أن القوات المسلحة سوف تحسم هذه المعركة.. معركة الشرف والكرامة.. لأنها مثل ذاك القائد أبو عنجة الذي قيل فيه.. ما وجهت رايات نصرك وجهة.. إلا وبالظفر المؤكد ترجع.. نعم كان عنوان ذاك المنبر شيئاً مختلفاً عن المعركة.. معركة استرداد هجليج.. ولكن أبهجني وأطربني وأسعدني السيد الصادق.. وهو يستهل ذاك المنبر بمناشدة قاطعة وحاسمة للرئيس سلفاكير بسحب قواته من هجليج فوراً وتواً وحالاً.. وهذا موقف لا ضبابية ولا لجلجلة فيه.. أما الكلمات التي توقفت عندها طويلاً هي تلك التي افتتح بها سيد صادق مناشدة للرئيس سلفا عندما ذكره بأن له رصيداً وطنياً في الشمال.. وأنا أقول.. إن خمسين في المائة من رصيد سلفا كير والحركة الشعبية عموماً قد ذهب في ذاك اليوم الحزين والحركة.. بل سلفاكير شخصياً قد دفعوا المواطنين الجنوبيين دفعاً للاقتراع للانفصال.. أما ال50% المتبقية لسلفاكير في الشمال من رصيد.. فقد تبدد مع دخول قواته إلى أرض سودانية تاريخاً وجغرافية.. فأصبح رصيد الرجل صفراً كبيراً.. إن لم أقل إن رصيده الآن «بالماينص».. صدقوني أني قد تذكرت جون قرنق.. ورددت في سري في أسف وأسى «في الليلة الظلماء يفتقد البدر». الآن فقط عرفت كيف هو رحيل قرنق.. فاجعاً ومروعاً ومدوياً.. لقد ذبح خليفته وبعض أبنائه مشروع الرجل من الوريد إلى الوريد.. لقد وهب الرجل وأنفق كل أيامه وهو يدعو إلى سودان واحد موحد.. ذاك الذي ترفرف فيه الرايات من نخلات حلفا وللغابات وراء تركاكا.. وصدقوني لو كان قرنق حياً وفي دفة القيادة لما انشطر الوطن إلى شطرين.. ولما سال دمه مسفوحاً يجري على تراب أرض كانت عصية على التمزيق والتشظي والتفتيت.. والآن أيضاً نفتقد «قرنق».. وصدقوني لو كان الرجل حياً لما ارتكب تلك الحماقة الفادحة.. والخطيئة القاتلة باحتلال هجليج.. وهذا هو الفرق بين عقلية رجل الدولة المستظل بمظلات السياسة.. وبين الذي ما زالت تسيطر عليه حرب العصابات والأدغال.. أنا شخصياً لم أدهش ولم أتعجب.. لأن وقائع التاريخ تروي كيف يتحول جنرالات حرب الأدغال عندما يتجولون في القصور الرئاسية وعندما يمسكون بدفة الحكم.. يتحولون إلى مغامرين يقفزون في الظلام غير آبهين بالنتائج ولا تطوف بأذهانهم الخسائر ولا يتحسبون للذي تجره عليهم تلك الحماقات. وكلمات إلى الحكومة.. ولها نقول.. إنه رب ضارة نافعة.. فها هو الشعب السوداني قاطبة يصطف خلف القوات المسلحة.. بل على استعداد للقتال معها.. رغم الرهق.. رغم الكلمات الموجعة التي ظلت تنتاشه بحاد السهام.. ليعرف النظام.. أن هذا الشعب يفرق تماماً بين النظام والوطن.. وأن المعركة ليست معركة حكومة أو مؤتمر وطني.. إنها معركة أمة.. لأن الوطن ملك للجميع.. حكومة ومعارضة.. ولا فضل لأحد على أحد إلا بقدر عطائه لهذا الوطن.