لقد حان الحين لقوى دولية وإقليمية تساند الحركة الشعبية ان تنصح لها، على إثر عمليتها الخرقاء في منطقة هجليج، بأن تشب عن طوقها لحركة تمرد، وكأنها تشن حرب عصابات، وبأن ترقى مرقى الدولة المسؤولة التي ترعى علاقاتها الخارجية والتزاماتها الإقليمية والدولية ومصالحها الداخلية وهي التي انضمت إلى الأم المتحدة لتوها، فكانت فاتحة أعمالها هي ان تخرق أخطر ما في ميثاق المنظمة العالمية، وهو العدوان السافر على التراب الوطني لدولة جاره ذات عضوية عريقة في هذه المنظمة. ومن فقدان النضج السياسي لدى الحركة الشعبية أنها قد مارست التلفيق الضعيف لدى عدوانها الأخير على السودان، ثم عادت فمارست هذا التلفيق نفسه لدى خسرانها المبين في هذه العملية الحمقاء، أما لدى عدوانها فقد ادعت أنها بهذا الاحتلال تسترد أرضاً تابعة لها، وهي مغالطة جوفاء تخلي عن مجاراتها حتى حلفاؤها، فهي أرض سودانية بلا منازع، سواء بالوثائق التاريخية، أو بمقررات التحكيم الدولي، وقدظل شمال السودان يستغل نفطها طوال الفترة الانتقالية، ثم هي لم تؤول للجنوب في قسمة الأصول لدى الانفصال. وأما تلفيق الحركة لدى إلحاق القوات السودانية الهزيمة بقواتها فبإدعائها أنها إنسحبت إستجابة لنداء المجتمع الدولي، مع أن الشواهد الميدانية تكذبها بأبلغ لسان، فقتلاها بالمئات، وعتادها وعدتها المدمرة بالعشرات، وقد واجهت معارك ضارية من القوات السودانية لم تصمد أمامها، على مدى إسبوع، ثم كانت هزيمتها النهائية في اليوم نفسه لإعلانها المكذوب بالإنسحاب. ثم ان باقي قواتها الغازية لم تنسحب، كما قال رئيسها، انسحاباً منظماً، وأنما فرت فراراً غير منظم. وقد استخدمت قواتنا منهجاً مستحدثاً في القتال، هو منهج الوثبات أو القفزات الذي يعتمد على اختراق الجسور لصفوف العدو، مع المناورة الذكية للإلتفاف حوله والاطباق من عدة جهات عليه، دون أن تستخدم قواتنا القصف بالمدفعية أو الطيران حفاظاً على المنشآت النفطية، ومع ذلك قامت قوات الحركة الغازية بعمليات ممنهجة لتخريب هذه المنشآت التي ظلت النيران تلتهب لعدة أيام حتى استطاعت الخبرة الهندسية السودانية اطفاءها بقدرة فائقة وفي وقت قياسي، وهذا مما يعطي فرصة للمقارنة بين مهندسين مأجورين لدى الحركة ومهندسين مدفوعين بغيرتهم الوطنية لدى السودان. وذلك تماماً مثلما ان المهندسين السودانيين استطاعوا أن يفكوا شفرة برنامج التشغيل بمصنع سكر النيل الأبيض، الذي أرادت له القوى المعادية للسودان أن يظل معطلاً بلا تشغيل أو افتتاح، وذلك في إطار حرب (النفط والسكر) أو حرب الموارد التي تشنها هذه القوى على السودان بغير طائل. أما فقدان النضج العسكري للحركة فبسوء تقديرها لقواتنا السودانية التي تمتلك خبرة طويلة متراكمة، بخاصة في معاركها معها كحركة تمرد، وهي تلحق بها الهزيمة تلو الهزيمة حتى الجأتها لشريط حدودي جنوب الجنوب، ثم إن قواتنا قد طورت قدراتها القتالية وصناعتها الحربية، وهي مسنودة بجبهة شعبية داخلية تزداد تماسكاً مع كل عدوان أخرق للحركة على بلادنا. وفقدت الحركة أبسط أخلاقيات الفروسية، مع أنها تنحدر من أصول قبلية لها هذه الأعراق، فهي تغدر غدراً ذريعاً، وتخون العهود والمواثيق، وتتنكر للجميل بلا وازع من ضمير. فهي تدعي المصالحة والمسالمة وتمد يدها الآثمة لهما، بينما هي تبيت المكر السيء، الذي يحيق بأهله. والنفط الذي خربت منشآته يعود الفضل في إنتاجه التجاري من شركة شيفرون الأمريكية، وأقام بنياته التحتية الطائلة فأوقفت ضخه عبر الشمال، واعتدت على هجليج النفطية التابعة للشمال. ولهذا وذلك أنما يدفع حكومة السودان دفعاً إلى أن تتخذ القرارات الصعبة في مثل هذه الظروف من وقف التفاوض حول المسائل العالقة، ومن وقف ضخ النفط الجنوبي في خط الأنابيب السوداني مرة أخرى حتى لا يكون كرت مساومة بيد الحركة، أما تحرير الأرض السودانية من توابع الحركة بجنوب كردفان والنيل الأزرق فهو من أوجب واجبات الساعة.. وذلك حتى يتحرر جنوب السودان من قبضة الحركة.. والله المستعان.