منذ قيام أول نظام للمعاشات ظلت الدولة تترك للمعاشي حق اختيار الطريقة التي يود أن يصرف بها معاشه، فبعضهم يصرف عن طريق البنوك وذلك بعد فتح حساب جاري يورد فيه معاشه الشهرى بعد موافقة إدارة البنك كتابة على ذلك، والبعض الآخر الذي يود أن يصرف معاشه بالقرب من مكان سكنه فيختار المجلس أو المحلية ليتم الصرف له عن طريق خزينة المجلس أو المحلية المعنية. ظل هذا النظام قائماً لسنوات طويلة على الرغم من بعض السلبيات التي تتمثل غالباً في عدم قدرة إدارة المعاشات على معرفة ما إذا كان صاحب المعاش الذي يصرف بالبنك عائشاً أم لا، الأمر الذي أدى إلى مطالبة المعاشي بشهادة حياة من وقت لآخر لتأكيد وجوده، أما الذين يصرفون معاشاتهم نقداً بخزائن المحليات، فلم يكونوا محل شك طالما أن المعاشي يقوم بصرف المعاش بنفسه، أما إذا كان الصرف يتم عن طريق توكيل (توكيل شرعي)، فإن إدارة المعاشات أصبحت تتطالب بتجديد التوكيل كل خمس سنوات لضمان صرف المعاش لصاحبه الذي لا يزال على قيد الحياة. إن الصرف عن طريق المجالس رغم أنه قد أتاح فرصة صرف المعاشات بالقرب من مكان السكن، إلا أنه قد أضاع أموالاً كثيرة لإدارة المعاشات، لأن الأمانات (المعاشات التي لم يتم صرفها)، تظل سنين قابعة بالمحلية دون توريدها إلى المعاشات، الأمر الذي أدى إلى تراكم مبالغ ضخمة لسنين عدة حتى تم استرجاعها على فترات متباعدة مما أضاع فرصة كبيرة لاستثمارها وتنميتها. الآن علمنا أن هناك اتفاقاً قد تم بين إدارة الصندوق وإدارة سودابوست، لتقوم الأخيرة بصرف المعاشات للمتعاقدين إنابة عن إدارة الصندوق نظير نسبة مئوية محددة من المعاشات الشهرية يتم دفعها لسودابوست في مقابل القيام بهذه المهمة. إن إدارة الصندوق طوال السنين الماضية قامت بفتح منافذ صرف في كل مدن العاصمة المثلثة بلغ عددها أحد عشر منفذاً، خمسة منها بالخرطوم وأربعة في شرق النيل، واثنان في مدينة أم درمان، وقد جهزت هذه المنافذ تجهيزاً كاملاً من صالات مكيفة ومقاعد وثيرة ومياه شرب وحمامات، صرف الصندوق على إنشائها مبالغ طائلة، إضافة إلى الصرافين اللذين تم إعدادهما لأداء هذه المهمة. إن الخلق والإبداع في مجال العمل الإداري مطلوب، والمقياس الحقيقي للإبداع هو أن تأتي بجديد يقلل التكلفة ويؤدي إلى راحة المعاشي، وحتى نقوم بتقييم هذه التجربة لابد أن نتذكر الحقائق الآتية: أولاً: إن صرافي الصندوق بحكم عملهم لسنوات طويلة استطاعوا أن يجيدوا العمل وبصورة مذهلة خاصة معرفتهم لمعاشييهم الذين يصرفون لهم، الأمر الذي سهل عملية التناول والصرف بالصورة المطلوبة وفي أقل وقت ممكن. ثانياً: إن العاملين بسودابوست ليست لهم خبرة كافية للقيام بالصرف للآلاف من الناس مما أدى إلى تأخير الصرف وكثير من المعاشيين يعودون إلى منازلهم بعد المكوث لساعات طويلة دون صرف معاشاتهم. ثالثاً: في أحيان كثيرة يجد المعاشي أن المبالغ التي صرفت له تختلف عن الشهر الماضي، وذلك زيادة أو نقصاناً، وغالباً ما نجد الإجابة عند صراف الصندوق، لأنه يعرف ما يتم من إجراءات وخصومات على المعاشي، الأمر الذي افتقده المعاشي الآن، لأن موظف سودابوست لا يدري شيئاً وإنما استلم كشوفات بها مبالغ عليه صرفها فقط، وهنا نكون قد قمنا بعزل المعاشي وإبعاده عن الموظف الذي يجد عنده الإجابة لأي سؤال يرتبط بما يحدث في معاشه من متغيرات. رابعاً: إن المعاشات الشهرية التي لم يتم صرفها (الأمانات)، يقوم الصراف في اليوم التالي من إيقاف الصرف بإعداد كشوفاته وتوريد المبلغ لخزينة الصندوق، أما الآن فإن الأمر قد اختلف، حيث إن مبلغ المعاشات التي لم يتم صرفها (الأمانات)، كبير جداً ويظل بإدارة سودابوست ولا يتم توريده بالسرعة المطلوبة، الأمر الذي يؤدي إلى إضاعة فرصة للاستفادة من السيولة التي يحتاجها الصندوق في إدارة أعماله أو استثمارها. خامساً: عند إنشاء الصندوق في عام 1994-1995 وضعت شروط خدمة للعاملين روعي فيها الجهد الذي يبذله موظف الصندوق لتقديم خدمة أفضل للمعاشي، وتم تحديد 10%من إيرادات الصندوق كمصاريف إدارية وهي تمثل المرتبات والبدلات والعلاوات والمنح والسلفيات، فضلاً عن ما يصرف في تحسين بيئة العمل من مباني جديدة شامخة وعربات ووسائل اتصال وغيرها، هذا الصرف البذخي الغرض منه إرضاء الموظف ليقوم بخدمة الزبائن (المعاشيين) بتفانٍ وإخلاص. ولعل نيل إدارة الصندوق لشهادة ISO (شهادة التميز) لم تكن صحيحة، لابد أن هذه الشهادة تمنح للجهات التي وصلت إلى مرافيء الكمال في تقديم خدمة مثالية ومقنعة للجهة التي تمنح هذه الشهادة. سادساً: رغم أن الصرف الكبير على العمل الإداري بالصندوق والوضع الوظيفي المريح للعاملين به والذي يقوم بتحمل تكلفته المعاشي، وذلك عن طريق خصم 10%من إيرادات الصندوق والتي كان يمكن أن يستفيد منها المعاشي، رغم ذلك فإن إدارة الصندوق لم تألُ جهداً في إضافة مزيد من التكاليف على كاهل المعاشي، وذلك بدفع نسبة 1.5%من كل جنيه يتم صرفه عن طريف سودابوست، معنى ذلك أن المعاشي يدفع المزيد مقابل مزيد من المعاناة والعنت والمشقة. ولعل ما يتبادر إلى الذهن مما يحدث الآن أن إدارة الصندوق رأت أن تخدم إدارة سودابوست، وذلك بإيجاد مصدر دخل لها مضمون وثابت على حساب المعاشي المغلوب على أمره، والذي أصبح بدلاً من أن يستثمر لأجل رفاهيته وإصلاح حاله، يستثمر من أجل تقدم وازدهار سودابوست. وفي نهاية مقالي هذا هناك عدة أسئلة أرجو من إدارة الصندوق الإجابة عليها: 1- بعد ما تم تحويل الصرف ليتم بواسطة سودابوست، ما هو العمل الذي سيقوم به الصرافون القدامى والجدد؟ 2- ما مصير منافذ الصرف العديدة التي صرف الصندوق أموالاً طائلة في إنشائها وإعدادها؟ 3- عندما تم اختيار سودابوست لتقوم بصرف المعاشات، هل روعي نص المادة 36 (2) من قانون المعاشات والتي تنص على الآتي: (يجوز دفع المعاشات والمكافآت بواسطة المصارف والمحليات وأي وحدة إدارية أخرى يوافق عليها المجلس ...الخ) هل وافق مجلس الإدارة على هذا القرار؟ علماً بأن الصندوق القومي للتأمين الاجتماعي قد رفض التعامل مع سودابوست وظل يصرف لمعاشييه عن طريق منافذ الصرف المختلفة التي يمتلكها. مستشار ولاية الخرطوم (سابقاً)