طرفة تقول إن تلميذاً محدود الذكاء ركّز في استذكار دروسه على السياسة الداخلية للزعيم الألماني بسمارك.. لسوء حظ ذاك التلميذ جاء السؤال عن السياسات الخارجية..اجتهد الصغير في مقالته أن السياسة الخارجية انعكاس للسياسة الداخلية وطفق يتحدث عن الشأن الداخلي في تلك الدولة..رغم وجاهة التبرير إلا أن التلميذ في عرف الأستاذ كانت إجابته خارج الشبكة واستحق صفراً كبيراً. أمس أعلن والي النيل الأبيض يوسف الشمبلي أن حكومته تمهل الجنوبيين العالقين في ميناء كوستي النهري أسبوعاً واحداً ينتهي في الخامس من مايو القادم..الشمبلي أكد أن عدد المواطنيين العالقين نحو اثني عشر الفاً..الشمبلي أبلغ أن حكومته أبلغت دولة جنوب السودان بخطتها القسرية..هولاء المواطنون يعتبرون الآن في عداد اللاجئين وتتولى المنظمات الإنسانية رعايتهم وتهيأت سبل السفر إلى وطنهم الجديد. بداية استغرب ماذا حدث لولاة الولايات حتى باتوا ينافسون وزارة الخارجية في عملها.. من قبل أعلن والي القضارف بعد عودته من رحلة رسمية إلى أوربا أنه وفريق كبير في الحزب الحاكم يؤيدون التطبيع مع دولة إسرائيل.. إلا أن الوالي يوسف الشمبلي يجري محادثات مع دولة خارجية.. ثم يصدر قرارات قد تكون نتائجها كارثية على ملف الأزمة التي تحتاج إلى حنكة دبلوماسية. ليس الوالي الشمبلي وحده.. وزارة الخارجية السودانية رفضت تدويل ملف خلافها الحدودي مع دولة الجنوب.. وأكدت أنها تدعم الوساطة الأفريقية التي يقودها ثامبوأمبيكي الرئيس السابق لجنوب أفريقيا..ولكن ذات الوزراة كلفت ممثل السودان في الأممالمتحدة لرفع شكوى لمجلس الأمن ..الشكوى أكدت أن جنوب السودان اعتدى على التراب السوداني واحتل تسع نقاط على طول الحدود الفاصلة. إعلان رئيس الجمهورية لحالة الطواريء على الحدود مع دولة جنوب السودان.. ثم التوجيه بإنشاء محاكم خاصة..كل ذلك مقروناً مع إستراتيجية (shoot to kill)..مع شروع البرلمان في سن قانون رد العدوان ومايتضمنه من عقوبات قاسية مع المطالبين بالتهدئة.. هذه الإجراءات تؤدي إلى تسخين ملف الصراع..التسخين يجعل العالم يصوب نظره تجاه بلدنا المنكوب.. ثم يعبد الطريق لقرارات أممية بحجة أن الأوضاع في السودان تهدد الأمن والسلم في العالم. الحكومة الآن بدأت تفقد الإجماع الذي تحقق بين أهل السودان بسبب العدوان على هجليج.. عبر سياسة النفس الحار ستفقد الخرطوم التعاطف الدولي الذي خلف عدوان سلفاكير على الأراضي السودانية.. الوالي الشمبلي إن لم يدركه المركز سيمضي في خط التصعيد.. ليس بالإمكان إخلاء اثنى عشر ألف مواطن في ظرف أسبوع.. هؤلاء المواطنون يرغبون في العودة ولهذا تجمعوا في الميناء.. من الأفضل العمل بصمت في مثل هذا الملف.. أي تدخل خشن مع اللاجئين الجنوبيين سيولد أزمة دولية.. في تقديري أن الحكومة السودانية محتاجة للاستفادة من تجارب الماضي..أزمة دارفور بفضل الإعلام أصبحت مثل كرة الثلج تتضخم بمرور الأيام.. خصوم الحكومة السودانية ينجحون دائماً في استدراج الخرطوم للفخ. حكومتنا تحتاج لأن تفهم أن السياسة الخارجية تُبنى على السياسة الداخلية.. نحن الآن في حاجة ماسة إلى تهدئة الملفات.