راودني شعور بعد انفصال الجنوب أن المشوار الذي بدأته إنجلترا أكملته أمريكا.. فالسودان لم يكن بمنأى عن الذهنيه الأمريكية.. البعض يرى أن الاهتمام الأمريكي بالسودان بدأ مع عبود حين انتشرت ديباجات (يد تعانق يد).. كتب عليها الصداقة بين الشعبين الأمريكي والسوداني.. ثم توطدت مرة أخرى عبر دعم متمردي وثوار الجنوب على مدى عهد الحكم الوطني.. يبدو أن أمريكا (خاتة السودان في رأسها) منذ قرن ونيف.. ففي سنة 1910 زار الرئيس الأمريكي آنذاك السودان وكان في زيارة إلى مصر والسودان.. ولكن بدأ زيارته بالسودان وكانت هذه غريبة.. فالطبيعي أن يزور مصر أولاً ثم يدلف إلى عمقها الجنوبي.. وجاء في أخبار تلك الزيارة في 1910 أن الرئيس الأمريكي ثيودور روزفلت القى خطبة عصماء.. ودافع فيها عن الاحتلال الإنجليزي.. وطالب السودانيين بأن يكونوا حكماء وأن يخضعوا للاحتلال.. لأن التحرر منه كثير التكاليف.. ومخيف.. مطالب السودانيين كانت 1910 والاستقلال تم في 1956.. أي بعد (46) عاماً.. فهل يعني ذلك أنهم خضعوا للاحتلال طيلة هذه المدة.. أم أنهم استعجلبوا.. أو فهموا تكاليف التحرر ضرورة.. وأن أعباء خروج المستعمر كبيرة.. وأن بناء دولة وقيادتها أصبحنا مؤهلين للقيام به وبأعباء الدولة مع إنو لي هسه ما عملنا دستوراً دائماً.. ولكن دعونا نتساءل طبعاً روزفلت كان هدفه استمرار الاحتلال لكن ما خوفنا به وحذرنا منه هل كان أمراً عبثياً أم كان واقعاً.. إنك لتدهش حين تعرف أن الإنجليز أداروا كل هذا السودان بإمكانات بدائية (يركبون الحمير والجمال أو ينتقلون على أكتاف الرجال الأشداء.. لا هواتف نقالة لا طائرات.. وفي قمة النهضة كان القطار).. يتعاملون مع شعب نسبة الأمية فيه عالية.. وطبيعته قاسية.. خريفه سيول.. وربيعه كتّاحة.. وشتاؤه ينثر سهام الرطوبة.. وصيفه قطعة من النار.. ولكنهم مع ذلك أداروه جيداً.. لم يكن الفساد قد عم العالم.. فما أفسدوا إلا في بعض السلوكيات الشخصية.. لذلك ما زال البعض يقول الإنجليز (بدروا بالرحيل).. وبعض كبار السن يقولون يا حليل الاستعمار.. وعقدة يا حليل هذه سلسلة من (الياحليلات).. يا حليل الإنجليز.. يا حليل عبود.. يا حليل أزهري.. ويا حليل عبدالله خليل.. ويستمر العقد نتلاعب بحباته كمسبحة ضالة.. ترى على غرار رحلة روزفلت.. (أوباما) في زيارته الأخيرة لمصر.. حيث القى خطابه الشهير.. أما كان يجب أن يبدأ بزيارة السودان.. ولكن ترى كان سيطالبنا بالرضوخ لماذا؟.. أم ترانا رضخنا وما احتاج الأمر إلى زيارة.. هذا الاهتمام الأمريكي القديم.. هل يمكننا تطويره وتثويره.. هل يمكن أن نطبّع علاقتنا مع أمريكا (خليك من إسرائيل).. أين خطاب روزفلت ضمن وثائقنا.. نحتاج إلى أن نعيد قراءته (لنعتبر) بأن أمريكا خاته السودان في بالها منذ قرن ونيف من الزمان!