ما من شك في أن شعبنا بخبراته النضالية والكفاحية المتراكمة عبر العصور والعهود، لم ينخدع يوماً واحداً بأن القناع الساذج الذي تطالعه به قوى البغي والظلم والطغيان لا يخفى وراءه إلا وجهاً كالحاً عبوساً يضمر الشر والطمع، ويتعامل مع الآخرين ،في ظل غياب القطب المعادل بكل استخفاف وإزدراء واستغفال، وبقى لتلك القوى ستار رقيق تدثرت به، واجتهدت وسائل الإعلام الغربية الشيطانية في تزييفه وتجميله إلى أن جاءت عملية (هجليج) العدوانية الطائشة من قبل حكومة الجنوب، لتنزع بقوةٍ ذلك الستار الرقيق، وليظهر ذلك الوجه الكالح على حقيقته الكاملة بلا تزييفٍ أو تضليل، وسبحانه تعالي أصدق القائلين حيث يقول في سورة آل عمران (قد بدت البغضاءُ من أفواهِهم وما تخفي صدورهم أكبرُ.) ورب ضارة نافعة، فقد هبْ شعبُنا بأسره، لا ليستنكر العدوان فحسب وإنما ليدافع بالمناكب لتحرير هجليج الطاهرة من دنس أقدام قطاع الطرق والمرتزقة.. تدافعوا زرافات ووحدانا .. رجالاً ونساءاً .. كباراً وصغاراً.. حكاماً وأحزاباً.. ومن مدينةٍ أو قريةٍ أو نجعٍ في كل أنحاء السودان إلا تدافع أهلها بالمناكب يجوبون الآفاق تحت رايات الجهاد والمجاهدة بالروح والمال وبكل غالٍ ونفيس، تاركين همومهم المعيشية من أجل حماية الوطن! ويا لها من مشاهد رائعة شكلت لوحات بديعة التصوير صاغتها انفعالات الشعب السوداني، تحكي تلك القيمة العظيمة ،التى ينفرد بها أهل السودان، وتتقاصر دونها الهمم في هذا العالم المتلاطم الأمواج، المائج بقضاياه المتباينة، وقد تجلت عظمة هذا الشعب في وحدته التلقائية العفوية، دون قيادة من أحد أو جهةٍ أو منظم سوى تحركات جيشنا العظيم، وهو يمسك بزمام المبادرة، في تجردٍ ووطنيةٍ وبسالةٍ ونكران للذات.. إنها وحدة تحدث عنها العالم كله، في إعلامه المتنوع، وفي كبريات عواصم العالم ! انه الربيع السوداني!.. وأن تزامن هذا الربيع مع صنوه الربيع العربي، إلا أن هنالك فارقاً نوعياً بينهما، فالأخير يتمظهر في ملاحمٍ تدور ما بين شعوب تتوق إلى الإنعتاق من ربقة الظلم والاستبداد والفساد، في مواجهة طواغيت من ابنائها صبوا عليها جام ظلمهم، وكبلوها بسلاسل الاستبداد وهم يتمرغون في حمأة الفساد. بينما يتمظهر الربيع السوداني في ملحمة وطنية، دارت ما بين شعب واحد متحد في مواجهة معتد أثيم آبق عاق، حالما طعن ثدي أمه التى كان يرتضعها،و وجه إلى قلبها كل الأسلحة التى زوده بها أسياده الذين ما زودوه بها حباً في وجهه الكالح، وانما ليلتهموه هو نفسه قبل تلك الأم! ان الإعتداءات على منطقة هجليج السودانية واحتلالها!! قبل الهروب المخزي من جبهة القتال !!لم يكن مفاجأة للعالم والاقليم فحسب، وإنما كان أكبر مفاجأة للشعب السوداني نفسه.. هذا الشعب المسالم المعطاء الذي منح عصابة الجنوب ما لم يمنحه شعب للخارجين عليه في هذا العالم، وفي هذا العصر.. منحها السلام من بعد ان ضاقت بها السبل.. منحها النفوذ والسلطة ومقاليد الأمور والسلطة خاصة في الجنوب ومشاركة مقدرة في الشمال.. منحها الثروة من حيث لم تكن تحتسب أو تحلم بها.. أوليس آخراً منحها الاستقلال التام لدولتها الوليدة دون منّ أو أذى.. وعندما تسولت؟ دون وجه حق؟ حقوقاً لمواطنيها من جانب السودان، سواءاً لمواطنيها الذين يقطنون السودان أو يزمعون الذهاب إليه، كاد شعب السودان ان يمنحها ذات حقوق مواطنيه (حق الاقامة، وحق التنقل، وحق العمل، وحق التملك) وقبل ان يجف المداد الذي كتبت به مسودة ومقترح تلك الحقوق قامت العصابة الجهلاء بحشد قطاع الطرق والمرتزقة، واجتاحت بهم منطقة هجليج الطاهرة، وحسبت أنها ستكون غنيمة باردة، وفات عليها ان هنالك بالمرصاد جيش تعرفه معرفتها لجوع أحشائها، وشعب تعرفه حق المعرفة! وقد استبان هذا الشعب الآن حقيقة تلك العصابة وخطأ تعامله الكريم معها، وما أصدق قوله جلا وعلا في سورة آل عمران( ولما أصابتكم مصيبةٌ قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم) وعزاؤنا هو هذه الوحدة والإرادة الوطنية المتينة الرائعة الماثلة في مواجهة عصابة قطاع الطرق ومرتزقتها وأسيادها الذين يقفون كالمهماز من فوق ظهورها.