هناك موضوع مهم أريد أن أطرح حوله سؤالاً وادفع به لأهل الرأي، من الذين يهمهم أمر هذا الوطن ومستقبله، حتى لا يكون هذا محصوراً في فئة محددة من البشر، وهذا السؤال يقول لماذا نحن نعادي العالم الغربي ودول أوربا وخاصة أمريكا؟ رغم أنها دولة عظمى ولها تأثيرها على العالم.. كما نسأل هل عقيدتنا الإسلامية تمنعنا أو تحرم علينا أن تكون لنا علاقة ومصالح مع غير الإسلاميين؟ إنني أطرح هذه الأسئلة للمزيد من الآراء الشجاعة لنتفق جميعاً حولها، دون مكابرة أو غرور، ولنسأل أنفسنا عن من نعادي ومن نصالح، وأن يكون منطلق هذا هو مصلحة السودان وشعبه أولاً وأخيراً، ودوافع هذا الموضوع ما تناقلته الصحف في الأيام الفائتة، وهي تنقل مداولات البرلمان حول الميزانية.. ومن ضمن ما توقفت عنده حديث النائب البرلماني المنتمي للمؤتمر الوطني السيد علي أبرسي، والذي دعا فيه الى الانفتاح على الدول الأوربية والتعامل معها اقتصادياً، وهذا الرأي جاء من رجل له وجود في عالم الاقتصاد السوداني، والواجب أن يجد رأيه الاحترام والتقدير، وأن تتم مناقشته دون انفعال وفي هدوء، عكس ما فعله معه السيد رئيس المجلس أحمد ابراهيم الطاهر، وما طالعناه من خلال الصحف بأن العضو علي أبرسي قد وجد التعنيف والزجر من رئيس المجلس رافضاً حديثه، الى درجة أن قال له لا تكرر مثل هذا الحديث، واشتط في كلماته غاضباً، وقال «نحن نجوع ولا نأكل من ثدي أمريكا»، ولا ندري ما هي أسباب هذه الغلظة والتشدد لمجرد رأي، يقول بضرورة الانفتاح والتعامل مع الدول الأوربية.. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن وبشدة لماذا لا نسأل أنفسنا عن ما هي أسباب ودوافع معاداتنا للدول الأوربية وأمريكا خاصة! والسؤال يتكرر أيضاً أليس من الضروري أن نفكر في واقعنا، ألاَّ يفرض علينا مراجعة موقفنا من هذا العداء، وأن نعترف بأننا على نقيض ما يحدث حولنا بأن دول العالم العربي والإسلامي ظلت تراعي مصالحها في معاداتها لهذه الدول، ونحن عكس ذلك رغم أننا قد تضررنا كثيراً من موقف أمريكا العدائي معنا- ونحن السبب في ذلك- بما ظللنا نواجهها به من عداء، ونحن قد بدأنا هذا، خاصة ونظام الإنقاذ ومنذ مجيئه لسدة الحكم في عام 1989 جاء بإحساس أنه المسؤول عن الإسلام في العالم كله، بل هناك شعور أنهم الأولى والأقوى والأقرب لحكم العالم الإسلامي.. ومن منطلق هذا الإحساس فقد كانت هناك المبادرة بالعداء للدول غير الإسلامية وخاصة أمريكا، مع إحساسنا بالقوة بأننا سوف نزلزل أقدام الولاياتالمتحدةالأمريكية، ونحرر العالم من سطوتها وقبضتها، وقد بدأنا هذا عملياً باستضافتنا لقادة وزعماء الإرهاب في العالم، مثل «بن لادن»، وفتحنا لهم الاستثمار في بلادنا واتحنا لهم فرصة إقامة المعسكرات لتدريب المليشيات الإرهابية، هذا ما ظلت تنقله عنا أخبار العالم إن كان حقيقة أو غير ذلك.. المهم أن بلادنا وفي فترة من فترات حكم الإنقاذ كانت مشهورة بأنها ترعى الإرهاب، كما نشطنا في إعلامنا بالأناشيد المنددة بأمريكا، والسخرية من ما تقدمه لنا من معونات، وهتفنا ضد المعونة الأمريكية، ودقيق ريغان، وعيشه، وقلنا لأمريكا لمي جدادك.. هذا والكثير منه قد حدث ضد أمريكا، ونكون بهذا قد ساعدنا طوعاً واختياراً بتحريض أمريكا وجلب معاداتها لنا والوقوف ضد مصالحنا، ورغم كل ما أصابنا من أضرار، فلم يحدث أن طرحنا أفكاراً أو آراء لاصلاح حالنا مع هذه الدولة ذات النفوذ والقوة على مستوى العالم، وحتى لو ظهر صاحب مثل ما تقدم به علي أبرسي لا يجد الاستجابة والقبول، بل يجد الرفض والتعنيف، وهذا يعني أننا على إصرار بأننا نسير على طريق هذا العداء الضار بمصالحنا وبمستقبل بلادنا، وكأنه موقف فيه تسجيل بطولة أمام العالم، ونعتقد أن هذا الطريق الذي يدعو للعداء طريق خاطئ، ويجب أن نسعى للابتعاد عنه بكل ما يعطينا الله من حكمة ومن صبر، ومن منطلق قوة ولا ضعف أو هوان، ولا استهانة بأنفسنا، وكما قال السيد علي أبرسي نحن لن نكون أحرص على الإسلام من الدول الإسلامية الأخرى كالسعودية ومصر، وهي تصادق أمريكا وتحقق مصالحها وإذا أردنا تحسين علاقاتنا مع أمريكا، فهذا لا تكون فيه مماثلة بحكومة الجنوب، كما قال السيد أحمد ابراهيم الطاهر، ونقول إن ابداء الرأي في منبر المجلس الوطني، يجب أن يكون مشروعاً ولا حجر عليه للسيد أبرسي ولا لغيره.. ولابد من فتح الباب لكل الآراء الشجاعة ونكرر السؤال لماذا نحن في السودان أكثر عداء مع أمريكا؟ وما هي مصلحتنا من هذا العداء، وهل في تحسين علاقاتنا مع أمريكا أو غيرها من الدول غير الإسلامية، فهل هذا ينقص أو يؤثر على تمسكنا بعقيدتنا الإسلامية؟ إنني آمل وأرجو أن يجد هذا الموضوع وهذه الأسئلة مجالاً للنقاش الهادف، وبدون انفعال، وأن يكون هذا في منبر البرلمان، إعادة لما طرحه السيد علي أبرسي، وآمل أن يتم التداول والنقاش على مستوى إعلامنا المقروء والمسموع، وعلى صحيفة آخر لحظة أن تفتح صفحاتها لذلك،، ومقصدنا من هذا مصلحة السودان.