تظل حالة أحزاب المعارضة السودانية في تذبذب مستمر ما بين الرافض لسياسات الحكومة العريضة بمجملها والمستنكرة والشاجبة لأدائها العام وفي وضعها المتمترس خلف معارضتها الداعية إلى إسقاط النظام دون تقديم البديل الناجع لحل مشاكل السودان التي تحملها لحكومة الإنقاذ وانفرادها بالسلطة رغم قيام الانتخابات الأخيرة وإتاحة الفرصة لها بالمنافسة الديمقراطية لكنها اختارت الانسحاب ورفض خوض غمار الانتخابات تحت دعوى عدم مصداقيتها وشفافيتها ولم تستفد حتى من مجرد الإعداد والتمرين الديمقراطي المجاني الذي أتاحته الحكومة وإن كانت التهمة بأنها انتخابات غير نزيهة. هذا المشهد السياسي لأحزاب المعارضة جعلها تقف خارج خارطة الأحداث السياسية الساخنة في هذا الصيف الغائظ والحكومة السودانية بأحزابها المشاركة في الحكم تواجه هجمة شرسة من قبل دولة الجنوب التي تحركت عسكرياً في عدة محاور على الشريط الحدودي واحتلت مناطق هجليج وبحر أبيض وهددت تلودي وأم دافوق بالتنسيق مع الجبهة الثورية وحركتي العدل والمساواة وحركة عبد الواحد، وتوالت هجماتهم العسكرية على أراضي السودان بغرض فرض حالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والعودة لمربع الاستنزاف، ورغم ذلك واجهت الحكومة كل هذا التعدي الصارخ وتصدت له عسكرياً ودبلوماسياً في معارك هجليج واستردادها عنوة واقتداراً، وأم دافوق ومواصلة الزحف إلى كاودا وغيرها، كل هذه الأحداث المتوالية وأحزاب المعارضة تقف خجولة هامدة إلا من بيانات جاءت متأخرة تدعو للصف الوطني ودعوات باهتة للحوار وإقامة السلام، في وقت خرجت فيه جماهير الشعب السوداني بعفوية تساند قواتها المسلحة التي استردت هجليج من الحركة الشعبية في ملحمة العشرة أيام الحسوم والتي أعادت فيها هيبة الدولة وسيادتها ومنها أعلنت الحكومة موقفها الواضح من دولة الجنوب بعدم العودة إلى طاولة المفاوضات إلا وفق شروط والتزامات بالترتيبات الأمنية على حد قول وزير الخارجية السوداني علي كرتي الذي أكد على ضرورة حسم الملف الأمني أولاً. الشاهد على هذه الأحداث وتحركات الأحزاب المعارضة يرى بوضوح ضبابية موقفها، الأمر الذي دعا حزب الأمة القومي إلى ضرورة هيكلة تحالف أحزاب المعارضة حتى تكون قادرة على اتخاذ مواقف جادة حيال الأحداث وقضايا الوطن وأن لا يكون التحالف مجرد ردة فعل لما يحدث دون سياسات واضحة وقرارات حاسم، في إشارة إلى الموقف الأخير من أحداث هجليج. من ناحية أخرى برز اتجاه قوي داخل حزب المؤتمر الشعبي يطالب الحزب بتبني موقف لا يستعدي من خلاله القوات المسلحة في ظل الوضع السياسي الراهن بالبلاد، وأن يأتي موقف الحزب متسقاً مع قوى التحالف الوطني وأن ما يجري داخل البلاد هو تدخل أجنبي واضح وصريح وتعدٍ على سيادة الوطن، وأن لا تكون المواقف ضد الوطن وأن يتم التفريق ما بين الوطن والمؤتمر الوطني، رغم موقف الترابي من عدم إدانة الهجوم على هجليج، باعتبار أن حركة العدل والمساواة التي شاركت فيه جزءاً من المؤتمر الشعبي الذي يعمل على إسقاط النظام!! هذه التحركات الأخيرة وسط الأحزاب الكبيرة مثل حزب الأمة القومي الذي دعا إلى إعادة الهيكلة لقوى التحالف، ودعوة الحزب الاتحادي الأصل إلى مبادرة وطنية جديدة وعلو أصوات داخل المؤتمر الشعبي بضرورة مراجعة المواقف ضد الحكومة، كلها تصب في مصلحة الوطن إذا ما اتفقت أحزاب المعارضة على أن الوطن أولاً وليس أخيراً، وفعلاً وليس قولاً، فهل تعي أحزاب المعارضة درس الشعب الذي هبّ للوطن؟!