اتفاقية السلام الموقعة عام 2005 لها فاتورة باهظة الثمن، وبها استحقاقات كبيرة دفعها مواطنو جنوب كردفان والنيل الأزرق دون سواهما، لأن الاتفاقية فصلت الشمال عن الجنوب، ولكنها لم تفصل جنوب كردفان والنيل الأزرق اللذين يشكلان الجزء الآخر من البروتكول، خاصة الترتيبات الأمنية وملف أبيي، جنوب كردفان وحدها تحملت وزر بروتكول جنوب كردفان وبروتكول أبيي وبروتكول الترتيبات الأمنية والنيل الأزرق، كذلك تحملت باقي الأسفار. قصة الذهاب كانت المفاوضات تسير بليل، وكانت المقترحات تترى من حين لآخر، وكان المفاوض لا ينام سواء كان شمالي الهوى أو جنوبي العشق، كل يبحث عن كسبه، حسمت اتفاقية السلام وخاصة بروتكول الجنوب، وما يليه من توابع وأصبحت أبيي حجر عثرة، وهنا ظهرت المشورة الشعبية في بروتكول النيل الأزرق وجنوب كردفان، ومع ظهور المشورة الشعبية برزت فكرة إذابة ولاية غرب كردفان التي تزامنت مع مطالبة أبناء النوبة بالمنطقة الغربية و ضمها الى جنوب كردفان ومنطقة جبل الدائر، وهذه جاءت بحسبان أن المشورة الشعبية هي صورة مصغرة للاستفتاء بغرض تقرير المصير، والمفاوض الشمالي هو الذي قدم فكرة ضم غرب كردفان الى جنوب كردفان، كي تصبح مديرية جنوب كردفان بحدودها السابقة في عهد مايو.. وهذا ما حدث في تلك الحقبة التي دارت فيها أحداث كثيرة واستنكر أهل المنطقة الغربية ضم ولايتهم الى جنوب كردفان، وتم حل كافة المؤسسات وقتذاك من المجالس التشريعية الى مجلس الوزراء، وكافة منظومة الحكم، وعلى خلفية ذلك تراجع اقتصاد المنطقة جراء حل الولاية، ودمج أجهزتها مع جنوب كردفان القديمة. تم تعيين سلمان سليمان الصافي ليقف على تجربة إذابة الولاية وقام بالدور بشكل جيد، واستطاع أن يكبح جماح المجموعات التي عارضت الفكرة، وكذلك أن يأتي بوفد لمقابلة الرئيس الذي وعدهم بقيام هيئة تنمية غرب كردفان، كي تكون بمثابة التعويض عن الولاية، وقامت الهيئة وترأس مجلس إدارتها أحمد الصالح والى يومنا هذا. إضافة الى ذلك صندوق تنمية القطا ع الغربي لجنوب كردفان، والذي تكدست الأموال فيه، ولم يقدم شيئاً يذكر من المشروعات، مراعاة لما يقبضه من تعويض تبلغ نسبته 2% من إيرادات البترول، والتي تصل الى اثنين مليون دولار شهرياً قبل انفصال دولة الجنوب.. علماً بأن المبلغ كان يورد في شكل أمانات لدى وزارة النفط. أما هيئة غرب كردفان بالرغم من الجهود الكبيرة التي بذلتها من أجل بناء عدد من المشروعات، إلا أنها ضعيفة نظير الأمل الذي كان معقوداً عليها منذ ميلادها، وذلك بسبب عدم الإيفاء من وزارة المالية، وسوء التخطيط للمشروعات التي أعدتها عبر إدارتها حتى يومنا هذا. مآلات الإياب ظلت المطالبة بارجاع ولاية غرب كردفان حديث الصغير والكبير من أبناء الولاية، وأصبحت هذه النغمة تتردد على لسان كل سياسي، وكل قانوني طيلة تلك الفترة التي ذابت فيها الولاية، عندما جاءت الانتخابات وعد المؤتمر الوطني عبر برنامج مرشح الوالي أحمد هارون بعودة ولاية غرب كردفان، وهذا ما راهن به على بقية البرامج المطروحة من المرشحين. وكان المؤتمر الوطني متمثلاً في أجهزته المختلفة يراهن على أن عودة ولاية غرب كردفان لا تشكل أي خصم من الولاية القديمة، بل هذا مطلب الشعب وسوف يعمل على المطالبة بعودة الولاية عقب الانتخابات مباشرة، إلا أن الحرب التي اشتعلت بالولاية أخرت المطلب، حتى أصدر رئيس الجمهورية القرار رقم «103» والخاص بعودة ولاية غرب كردفان، والذي أسند مهمة هذه اللجنة الى رئيسها اللواء حقوقي «م» حاتم الوسيلة لتقوم بإعداد تقرير عبر لجنته هذه، ويسلمه لرئيس الجمهورية خلال شهر واحد من تاريخ تعيينه.. وهذا ما حدث حتى الآن باشرت اللجنة أعمالها وزارت المنطقة واستمعت الى وجهات النظر المختلفة. مطبات العودة تواجه عملية عودة غرب كردفان عقبات رغم إصرار أهل المنطقة الذين تشكلوا حول ولايتي جنوب كردفان وشمال كردفان، يمثلون قبائل المسيرية والحمر، ومن هذه العقبات التي ظهرت في العلن رأي مؤسسات الولاية الحاضرة في عملية الموافقة على رجوعها، -ومن هؤلاء- صرح رئيس المجلس التشريعي بعدم قانونية ارجاع الولاية ونسي أن مجلسه التشريعي لا صلة له بالقانون ولا التشريع.. حيث يحتاج الى إما حله أو اجراء انتخابات في الدوائر التي لم يحضر ممثلوها من الحركة الشعبية. كذلك حديث نائب رئيس المؤتمر الوطني والذي صرح للتيار بأن المسيرية في خلاف حول عاصمة الولاية العائدة من جنوب كردفان، وأطلق هذه التصريحات قبل صدور قرار الرئيس، مما يعني أنه استبق الأحداث، وتكهن بالخلافات قبل وقوعها. جاء قرار الرئيس بناءاً على توصية من والي الولاية الحالي أحمد هارون والذي زهد في حكم المنطقة الغربية، لكنه يرغب الاستمرار في حكم بقية جنوب كردفان.. وهذا مرده الى أن أهل المنطقة الغربية لم يصوتوا له كما كان يتوقع، رغم الأموال التي صرفها. ما بين توصية الوالي ورأي أجهزته تناقض لم نجد له تفسيرا إلا أمرا واحدا، هو أن الوالي يناور من أجل إنهاء هذه القطيعة والوعد الذي قطعه إبان الانتخابات، والحرج الذي دخل فيه بسبب برنامجه الانتخابي، هو الآن ظاهرياً موافق على عودة غرب كردفان، وباتجاه آخر يحرك أجهزته لاجهاض القرار عبر آليات وأشخاص لهم علاقة به.. حتى أخيراً نقل أن مطالبة أهل المنطقة الشرقية «بولاية» لا يعدو من الأعمال التي يدفع بها الوالي هارون. أشواق القيادات هناك قيادات خاصة من أبناء المسيرية لهم أشواق وحب خاص لذلك التراب العزيز عليهم.. حيث أن عيسى بشرى وزير العلوم والتقانة غرامه عجيب مع أهله، وحبه قاتل لشعبه أنه رجل وفي ويعمل ليل نهار، لا يكل ولا يمل من أجل خدمة أهله، لن يهدأ له بال إذا لم تعد الولاية الى غرب كردفان.. أما عضو المجلس الوطني رجل الأعمال المعروف حسن محمد صباحي يعمل من أجل نصرة أهله، وهؤلاء جميعاً عودة الولاية تشكل لهم هاجساً.. أما الشباب فتحرك الباشا محمد الباشا، وله قدرات فائقة وطاقة زائدة من أجل نيل شرف الإعداد لعودة ولاية غرب كردفان. رأي خيبة قال عدد من الخبراء إن عودة ولاية غرب كردفان تخدم الدولة قبل أن تخدم المواطن، وإن ولاية ومنطقة منتجة للنفط تحتاج الى ظل إداري قريب، يدير أمنها وشعبها وأرضها.. وقال الفريق شرطة جلال تاور إن عودة الولاية هي عملية لا تقل أهمية عن أمن الخرطوم، بالرغم من أن قرار إذابة الولاية هو خطأ كبير، لكن التعويض عنه وتصحيحه يتم عبر عودة الولاية في أسرع وقت، خاصة إنه وعد من وعود الرئيس والبرنامج الانتخابي لوالي الولاية الحالي أحمد هرون.. وقال تاورإن الولاية عادت بموجب القرار، فهي تحتاج الى خارطة فقط.