الجنوب ودارفور.. وتجربة نيفاشا طالبت معظم فصائل دارفور المسلحة وهي الأكثر أثراً ووجوداً على الأرض وعلى حالة النزاع المسلح المستمر في دارفور منذ العام 2003م طالبت هذه الفصائل إعادة ولايات دارفورالثلاث آنذاك والخمسة اليوم لإقليم واحد، وذلك في ديسمبر 2010م وكان رد المركز وقيادته الرفض تخوفاً من احتمال المطالبة باستقلال الاقليم اسوة بالجنوب، وأيضاً استجابة لرغبات فصائل غير مؤثرة على الواقع والأرض وهم منطلقون بكل أسف من نظرة عرقية قبلية ضيقه تزيد من مشاكل دارفور وأهلها الطيبين المسالمين، وعندما اشتدت مطالب الفصائل بالإقليم الواحد كان الرد عليهم بأن ذلك يمكن أن يتم عبر استفتاء لكل أهل دارفور.. كتب الأستاذ الجليل صاحب القلم الذهبي محجوب محمد صالح في الأيام يوم 23/12/2010م كلمة قوية أجمل وأعمق مافيها «لا يمكن أن يفرض التقسيم إدارياً ثم يصبح التوحيد في حاجة إلى استفتاء» قمت بالتعقيب على كلمة الأستاذ محجوب في عدد الأيام رقم 9893 بتاريخ 30/12/2010م مشيداً بكلمته القوية، وبصفة خاصة الجملة أعلاه بين القوسين كان التعقب علمياً مؤكداً مقولة الأستاذ محجوب من أنه وطالما تم التقسيم في دارفور إلى ولايات ثلاث أو خمسة إدارياً، فإنه وبالضرورة العلمية لا يصح توحيده إلى أقليم واحد إلا إدارياً أيضاً، أي أن يكون الفعل ورد الفعل متساويين في القيمة أو الطريقة، ومتعاكسين في الاتجاه- حسب ردي- والذي أقتطف منه الآتي: أن يتم الفعل- وهو التقسيم- إدارياً ورد الفعل- وهو التوحيد- باستفتاء هذا فيه تعارض تام مع قوانين الطبيعة والأشياء والعلم، إذ يقول العالم الفذ اسحق نيوتن (1642-1727) العالم الانجليزي من جامعة كمبردج في قانون الحركة الثالث «لكل فعل رد فعل مساوٍ له في القيمة ومعاكس له في الاتجاه» مؤكداً أن القوة لا تأتي مفردة بل مزودجة، وذلك إعمالاً لقانون الحياة وسرها الرئيسي المتمثل في القانون الأول من علم الثيرموداينامكس، وهو علاقة طاقات الحرارة والميكانيكا والتبادل بينهما، إذ يقول القانون الأول هذا وهو ما يعرف بقانون المحافظة على الطاقة «الطاقة الكاملة والكامنة في أي جسم أو منظومة تظل ثابتة القيمة دون التأثر بأي تغيرات داخليه تحدث لتتبدل من مظهر للطاقة لمظهر آخر» مثلاً الطاقة الكامنة في جريان المياه تتحول إلى طاقه كهربائية مساوية لها في القيمة، ويمكن حساب طاقة الكهرباء وقيمتها بحاصل ضرب كمية المياه عبر السدود في ارتفاعها بين جانبي السد دون الحاجة إلى قياس الكهرباء المولدة بعد التوربيات، ولا يمكن استخراج كهرباء بحجم أكبر من طاقة المياه قبل وبعد السد مثال آخر طاقة الضوء تتحول إلى طاقة حرارية متساوية في نظرية الليزر، والطاقة الحرارية يمكن تحويلها إلى طاقه حركة كما في قطارات البخار القديمة وهكذا.. لذلك فإن المنطق السليم في صالح المطالبين باقليم واحد دون الحاجة إلى استفتاء لأن القرار بالتقسيم صدر بفعل إداري، فالقرار بالتوحيد كرد فعل يجب أن يكون إدارياً أيضاً. سبق أن كتبت قبل أكثر من عامين مطالباً الاستفادة القصوى من تجربة نيفاشا كمثال سالب أدى إلى انفصال مشوه وتجربة الولاياتالمتحدةالأمريكية كمثال إيجابي في التعايش الناجح في ظل فيدرالية مثالية منذ استقلالها من بريطانيا العظمى في 4/7/1776م- أي قبل أكثر من مائتي عام، متماسكة كدولة واحدة بها خمسين ولاية أو إقليم ومساحاتها تقريباً عشرة ملايين كيلومتر مربع والسودان أقل من إثنين مليون كيلو متر مربع- أي خمسة أضعاف مساحة السودان وسكانها حوالي 300 مليون، والسودان حوالي 30 مليون- أي عشرة أضعاف- والسودان مثل أمريكا كان مستعمرة بريطانية استقل قبل 56 عاماً أمريكا استقلت من بريطانيا أيضاً قبل 236 عاماً، ومازالت متماسكة حتى صارت أقوى دولة في العالم هذه التجربة الأمريكية الصامدة يجب أن تجعلنا لا نخشى أو نتخوف من التشظي إلى دويلات في حالة العودة إلى ما كان عليه السودان من أقاليم كبرى تسعة قبل الإنفصال وست إذا عدنا إليها الآن، وهي أقاليم دارفور، كردفان، الشمالية، الشرق، الأوسط والخرطوم.. أتمنى أن نعود إلى أقاليمنا الست القديمة والتي كانت تسمى مديريات وليس لي غير التمني.. دون الخوف من التشظي أو الانفصال، لأنه وبكل المقاييس لا توجد مقومات دولة في كل أقاليم السودان السابقة، وحتى الجنوب بمديرياته أو أقاليمه الثلاث بعد أن انفصل قبل أكثر من عام لا توجد به حتى الآن مقومات الدولة، الأمر الذي جعل العالم الذي سعى لفصله يضغط على قادته بشدة بضرورة التعايش السلمي مع السودان وحل كل المسائل العالقة، ولو على حساب أشياء كثيرة، إذ لا أمل في استدامه الجنوب كدولة دون السودان، واتضح أن أسباب الإنفصال لن تصمد أمام التحديات والمعوقات التي لايمكن التغلب عليها مهما تكالبت الأمم وتكاثرت الوعود الدولية، لأن إقامة دولة تفتقر إلى كل شيء ليس بالأمر الميسور وأثبتت كل التجارب السابقة للوعود فشلها وعدم استدامتها، بل يحدث تراجع وانسحاب مريع في زمن وجيز لدى أضعف رأي عام وضغط مركز من منظمات المجتمع المدني في العالم، إزاء أقل الظواهر المهنية مثلما حدث في الصومال، عندما سحب المقاتلون الصوماليون جثة جندي أمريكي بزيه العسكري في شوارع مقديشو وقبلها انسحاب أمريكا من كوريا، فيتنام، بيروت بعد حادث مقتل المارينز في انفجار انتحاري والآن تنسحب أمريكا من العراق وافغانستان في ظروف بالغة التعقيد والصعوبة أمنياً.. لماذا لا نعود بقرار جريء شجاع منطقي وعملي إلى اقاليمنا الست القديمة في فيدرالية عادلة، وأن يكون أقليم دارفور هو ضربة البداية لأنه وحتى الآن وبكل ضراوة الحروب في الاقليم لم يطالب أي فصيل في حركات دارفور بالانفصال.. مواطنو دارفور أكثر المواطنين السودانين إنتشاراً وانخراطاً وانصهاراً في المجتمع السوداني، يشكلون نسبة مقدرة جداً من القوات النظامية يسيطرون بدرجة معقولة جداً في اقتصاد السودان لهم رجال أعمال معروفون بالأخلاق الفاضلة والمساهمة الفاعلة في الأعمال الوطنية والخيرية موجودة في الصناعة والزراعة والتجارة، ومتصاهرون مع قبائل السودان المختلفة ويشكلون نسبة عالية من سكان الخرطوم.. لماذا لا نوزع السلطة والثروة بعدالة بين الأقاليم الست وبذلك نرضي مواطن كل اقليم ونزيل الضغط والاحتقان والانفجار السكاني على الخرطوم.. ولايات أمريكا تتمتع بثرواتها وسلطاتها في توازن بديع مدهش في كل المناحي، الأمر الذي قلل العبء والضغط على المركز بل أن أمريكا وهي الدولة الأولى في العالم تحكم مركزياً بوزراء بعدد أصابع اليد أو أقل.. علينا أن نواكب التطور البشري المتسارع في أسلوب حياته «خليك مع الزمن» كما كان يقول الفنان الراحل رمضان زائد، ونتوكل على الله ونحدث التغيير الجذري في هياكل الحكم، بدءاً بدارفور حتى نحقق الإختراق وللوصول إلى السلام المستدام في دارفور أولاً ونطفئ الشرارة في باقي الاقاليم، إذ إن معظم النار من مستصغر الشرر.. السودان في شماله غني برجاله بأخلاقهم الفاضلة، غني بثرواته الطبيعية التي يحسد عليها، غني بعلمائه وخبرائه في كل المجالات يملك بنية تحتية مناسبة للإنطلاق، يحاط بجيران متميزين بالثروة والخبرة، مشاركين لنا في الدين مثل مصر، ليبيا، السعودية، وجيران مسالمون يحبون السودان مثل أثيوبيا، إرتيريا، تشاد وأفريقيا الوسطى.أختم بأبيات معبرة للصديق الرقيق الشاعر صلاح حاج سعيد في رائدته الحزن النبيل:ومشيت معاك كل الخطاوي الممكنة وبقدر عليها وبعرفها إلى أن يقول «ما أصلو حال الدنيا تسرق منيه في لحظة عشم» كل أمنياتنا أن يظل السودان آمناً مستقراً. üمهندس مستشار