قد يعتقد البعض أن الجرائم التي تحدث في مجتمعنا الآن جديدة أو حادثة، أو لم تكن موجود من قبل.. وهذا خطأ، فالجريمة موجودة منذ الأزل، ومنذ هابيل وقابيل، حينما قتل أحد الأخوين أخاه، فسجل بذلك السابقة الأولى في تاريخ الإنسانية، ولايزال الأخ يقتل أخاه حتى الآن بصورة من الصور وأضعفها القتل المعنوي، أو الأدبي أو غمطه حقه.. ما لم يصادر حقه في الحياة أصلاً. والظلم من شيم النفوس، فإن تجد ذا عفة فلعله لا يظلم. والجرائم الوخيمة التي نسمع بها كزنا المحارم، وأغتصاب الأطفال، وقتل الأزواج، والقتل والتشويه بماء النار.. كل هذا موجود.. ولكن الجديد هو الآلة الإعلامية المنفلتة، التي تخصصت في نشر مثل هذا الغسيل القذر، وبأسلوب فج، يوحي أن المجتمع كله قد أنحرف، وأن الناس كلهم أنصاف مجانين، فنشر الأخبار بالصورة الماثلة وهي عبارة عن عناوين مثيرة بلا عمق، ولا مهنية مستبصرة، ولا توضيح لأبعاد الحدث، مما يجعل صورته واضحة أمام القارئ، الأمر الذي يثير الرعب وسط الأسر والغثيان لدى العقلاء.. ومن تجاربي أعلم أن رب أسرة معينة تعود أن يحضر كل يوم مع صفحة إحدى الجرائد المتخصصة في نشر الغسيل القذر.. فما كان من ربة الأسرة إلا أن طلبت منه أن لا يحضر لهم هذه الجريدة في المنزل.. فقد أثارت الرعب بين الأطفال، وزعزعة ثقة الأبناء في سلامة المجتمع، وأساءت إلى كثير من القيَّم التي يعتزون بها، ويتعلقون بأهدابها.. فما كل ما يعرف يقال.. وما كل (الحوادث) تنقل إلى ردهات البيوت، يكفي القاذورات التي تنقلها الوسائط الأخرى (المتعدية) في زمن العولمة السالبة من خارج الحدود.. وقديماً قال المصريون.. العيار اللي ما يقتلش يدوش.. ونحن لسنا في حاجة إلى دوشة (كفاية) الدوشة اللي احنا فيها..