كلما يأتي حديث عن المرأة في السودان نحس أنها متميزة على غيرها سواء أكان ذلك على المستوى العربي أو الأفريقي أو حتى العالمي..كما نلاحظ أنها اكتسبت حقوقها في وقت مبكر، وحسناً فعلت الجهات عندما ضمنت في كثير من القوانين مواد تحفظ حقوق المرأة.. خاصة قوانين الحكم المحلي التي نصت بوضوح على تخصيص نسبة 25% للمرأة- على أقل تقدير- في أي تكوينات تتم وقد تم ذلك في عهد وزير الحكم الشعبي المحلي المرحوم جعفر محمد علي بخيت في العهد المايوي، وقد كان هو من منظري ومخططي سياسات مايو، وفي عهده أيضاً أنشئت اللجان الشعبية، وقد استغرب الناس لذلك في بادئ الأمر، فكيف توكل لمواطنين عاديين- ربما يكون بعضهم أمياً- مهام تنفيذية وخدمية ومشاركات حقيقية في إدارة شؤون أحيائهم وقراهم، وكان الناس يعتقدون أن ذلك من واجبات الحكومة، وقد تضمن القانون أيضاً مشاركة حقيقية للمرأة في تلك اللجان.. ولكن فيما بعد أصبحت التجربة حقيقية واستمرت اللجان الشعبية حتى الآن، وقد أصبحت المرأة تنافس الرجال في كل المواقع، بل تتفوق عليهم في كثير منها.. إن المرأة السودانية التي نالت حقوقها في زمن مبكر قد تمكنت الآن وأصبحت تعض بالنواجذ على حقها المكتسب في المحافل الدولية، وفي المشاركات المحلية سواء أكانت سياسية أو اجتماعية أو في كل محلات العمل العام والتطوعي.. إنها المرأة السودانية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتنفيذية والقيادية في كل المجالات. حتى على المستوى الأدنى فإن المرأة قد برزت في عدة مجالات، كافحت فيها من أجل تربية الأبناء وتعليمهم، وقد كتبت قبل شهور في ذات الصحيفة عن نساء كرمهم نادي البركل لتميزهم في مجالات متعددة.. فمنهم تلك المرأة التي تعمل صيادة بمنطقة جبل الأولياء، وهي تملك عدداً من القوارب ويعمل معها عدد من الصيادين، فكانت مثالاً للنجاح، ومنهن عوضية صاحبة أسماك الموردة الشهيرة، ومنهن بائعات أطعمة وبائعات شاي وصاحبات مصانع يدوية صغيرة لإعداد الأرياح والملابس المحبوكة. وفي هذا الاسبوع تلمست المزيد من الأمثلة لنجاح المرأة في المجالات المختلفة وقوة شخصيتها.. فقد ساقتني الصدف لشركة الياقوت العاملة في مجال صيانة وإصلاح العربات، وقد رأيت المهندسة الميكانيكية المشرفة تروح وتغدو بين ورش الشركة في حركة دائبة- وأمام بوابات الشركة كانت تعمل على استلام العربات الداخلة وفحصها، ثم تسليم العربات الخارجة بعد اختبارها. إن أبرول العمل في مثل هذه المواقع يمثل للمرأة عقداً من الزينة، لقد رأيت هذه المهندسة التي تسمى «هبة» تعمل بنفسها على فحص بعض أجزاء العربات وتصدر القرار الفني في ذلك.. كما رأيتها تصدر التعليمات والتوجيهات لعدد من العمال الفنيين، فيستجيب أولئك بروح عالية، ومثال آخر مهندسة اسمها سالي تعمل في طريق السلمة وسط الآليات والغبار في صبر ونجاح، وأخريات يعملن في أعمال المساحة والمنظار بعدد من الشوارع تحت الإنشاء.. هذا بجانب العاملات في مختلف المهن الأخرى.. لقد سقطت أسطورة تفوق الرجال على النساء حتى في المجالات الأكاديمية.. وليس غريباً أن تحتل المراكز الأولى في امتحانات الشهادة السودانية ومرحلة الأساس مجموعة من الطلبات النابغات. لقد استمعت للداعية الكودة وهو يرد في إحدى حلقات الإفتاء بقناة الخرطوم وهو يقول إن المرأة ليست أقل كفاءة من الرجل، بل متفوقة عليه في كثير من المجالات، وضرب مثلاً بتفوق الطالبات على الطلاب في الامتحانات والشهادات، وفند في فتواه مقولة أن المرأة ناقصة عقل ودين رداً على أحد المتسائلين، باعتبار أن المرأة لبعض ظروفها معفية من الصلاة في بعض الأيام. إننا نأمل من الأجيال الجديدة من بناتنا الحفاظ على التفوق والحفاظ على الاحتشام، فهو تاج ظلت المرأة السودانية ترتديه منذ القدم. فالتحية لرائدات النهضة النسائية منذ عهد الكفاح الوطني.. التحية لهن وهن يشاركن في الحياة السياسية والبرلمانية والاجتماعية والثقافية، وأخيراً المشاركة في عدد من المهن الصعبة التي كانت حكراً على الرجال، التحية لهن في كافة بقاع الوطن مدنه وحضره وقراه وريفه.