شعبية الحزب الشيوعي الصيني والإعتراف بالأديان ما حققته الصين من نمو اقتصادي خلال عشرين عاماً الماضية لم تستطيع أن تحققه الرأسمالية الغربية خلال عمرها الذي يتجاوز ثلاثة قرون. وقد استفادة القيادة الصينية من التجربة التي مر بها الاتحاد السوفيتي السابق، وبخاصة بعد الانهيار الاقتصادي والاجتماعي المروع الذي أصابها نتيجة التحول المفاجئ من النظام الاشتراكي الى الاخذ بنظام الليبرالية الرأسمالية. وقد رفضت القيادة الصينية أن تنساق وراء الشعارات التي كانت تصدر عن الدوائر الغربية وبخاصة الامريكية منها.. تدعو لتغيير الصين دفعة واحدة، أسوة بما حدث في جمهوريات الاتحاد السوفيتي المنحل ودول أوربا الشرقية، دون مراعات للأبعاد الاقتصادية والاجتماعية الخاصة التي تتميز بها الصين، فضلاَ عن المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تحتاج لمستوى عال من التقنين والضبط حتى يتم محاصرتها ووضع الحلول المناسبة لها. الشيوعية في نظر القيادة الصينية وسيله لضبط إيقاع الاستقرار في المجتمع أثناء توجهه نحو تحقيق أعلى معدلات للتنمية، وبناء قوة عسكرية تمكنها من الوقوف بندية أمام القوى العالمية الفاعلة، وبخاصة الولاياتالمتحدةالامريكية. والواقع أن القيادات الصينية إستطاعت خلال العقدين الماضيين أن تجعل من ارتفاع عدد سكانها عاملاً أساسياً لتحقيق معدلات عالية من النمو، حيث استطاعت توظيف الطاقة البشرية في تحقيق معدلات نمو عالية بلغت في إحدى السنوات اكثر من 12% كذلك نجحت في استثمار موارد الصين الطبيعية بصورة جعلتها في منأى عن الاحتكار الاجنبي، كما استغلت رخص اليد العاملة فيها من تأمين القدرة التنافسية للمنتجات الصينية واغراق العالم بها. وتأتي شعبية القيادة الصينية والحزب الشيوعي الصيني من ثقة المواطن الصيني بنفسه ومستقبل بلده وفي إيمانه بأن حكومته التي تنتمي الى الحزب الشيوعي تسير على الدرب الصحيح، وتنفق الجهد من أجل تغيير البلاد الى الافضل. والمسألة ببساطة لدى الصيني العادي تكمن في آليات التغيير المنضبطة، وفي نجاحها في تحقيق أهدافها المعلنة بصدق، وفي حصوله على جزء معتبر في الاجر أو تنوع فرص العمل أو تحسين شروط العمل، ومن هنا تأتي الثقة في الحكومة والحزب الشيوعي الصيني الذي يصل أعضائه الى 80 مليوناً فقط من بين 1,4 مليار نسمة، وبالقطع لم تتشكل الثقة في الحزب والحكومة بين يوم وليلة، بل تشكلت عبر سنوات طويلة أثبت فيها الحزب الشيوعي الصيني أنه قادر على تطوير أفكاره وسياسته وانه حزب يعمل من أجل الوطن ككل، وان لديه قدرة على المزج الديناميكي بين مكونات الثقافة الصينية وبين الأفكار الحديثة التي يتفاعل معها العالم ككل. ولعل شعار تطبيق الاشتراكية الصينية، أو ما يعُرف بأسلوب اشتراكية السوق بخصوصية صينية، الذي بدأ تطبيقه تعبيرا عن الانفتاح على العالم منذ عام 1978، بعد تولي دينج هيساو بنج قيادة الحزب الشيوعي الصيني يعد اكبر نموذج لعملية تطوير فكري وسياسي وثقافي ساعدت الصين على إحداث نهضتها الاقتصادية والتجارية والعالمية دون أن تفقد شعورها بالانتماء للثقافة الصينية الاصلية الضاربة في عمق التاريخ. وحين يرى المرء قيادته السياسية والحزبية تفكر في نهضة الأمة تتشكل بذلك القدوة، وتجربة الصين تمثل في مجملها قدوة للبلاد النامية كل، وهنا يمكن أحد أسرار معجزتها التي تتمثل في إحداث نقلة كبرى في نمط حياة المواطن الصيني، وتوظيف هذه النقلة في وضع الصين على قمة النظام الاقتصادي العالمي. لم تكن النقلة عفوية أو مجرد "خبطة حظ" ولكنها منطقية لستة عناصر، أولها التخطيط القائم على رؤية واقعية للموارد والاولويات والأهداف التي تتناسب مع كل مرحلة زمنية، وثانيها إدارة سياسية قوية تحشد التأييد الشعبي وتفتح أبواب التغيير المنضبط والمتدرج، وثالثها نظام سياسي لا يتنكر للحضارة الذاتية ولا يغلق ابواب الانفتاح على العالم بثقة واقتدار ذاتي. ورابعاً تطوير فكري للحزب الحاكم يراعي المستجدات والتطوير الواقعية، وبما يجعل الحزب الحاكم قادراً دائماً على ان يكون قادراً للتغيير والتطوير ومنفتحاً أمام القوى الاجتماعية الجديدة، وخامساً تطبيق سياسة التنمية المتدرجة، فبعد أن حققت مناطق الشرق والجنوب نقلات تنموية مشهودة طبقت مع بداية الالفية الثالثة سياسة التوجه التنموي غرباً، وذلك تحت اشراف حكومي وحزبي متناسقين، وسادساً نظام صارم للعقاب الفوري لكل منحرف أو مخالف للقانون. العناصر الستة تمثل في ذاتها دروساً مفيدة لمن يريد ان يتعلم كيف يكون التغيير التنموي نتيجة منطقية لخطة طموحه وارادة سياسية قوية ومشاركة شعبية واسعة وائد يحصل عليه الجميع. وقد ضاعفت شعبية الحزب الشيوعي الصيني بإعترافه بالاديان حيث ذكر الحزب الشيوعى الصينى، للمرة الاولى فى تاريخه، كلمة «الدينش» فى تعديل تم ادخاله على دستوره، وتم تبنيه في المؤتمر الوطنى ال 17 للحزب الشيوعى الصينى. وذكر قرار حول التعديل الذى تم ادخاله على الدستور ان ادراج الحزب الشيوعى الصينى فى دستوره المبادئ والسياسات التى صاغها لتقود الجهود لتدعيم العمل المتعلق بالشؤون العرقية والدينية، يسهم من بين ما يسهم فى تنفيذها بالكامل، وتحقيق نتائج أفضل فى عمل الحزب فى هذا المجال. وأضاف القرار ان هذا الادراج تم في ضوء الأوضاع والمهام الجديدة ان الحزب الشيوعى الصينى يسمح بحرية المعتقدات الدينية. قال يه شياو ون، مدير ادارة الدولة للشؤون الدينية، إن سر الحزب فى المعالجة الجيدة لقضايا الصين الدينية يكمن في مبادئه وسياساته.« وأضاف » إن ادراج هذه السياسات والمبادىء في دستور الحزب يظهر ان الحزب مخلص وقادر على تنفيذ السياسات المتعلقة بحرية المعتقدات الدينية. وقال إن المشكلات الدينية تحدث فى العديد من الاماكن فى العالم. ولكننا في الصين نتمتع بالسلام والهدوء لأن لدينا سياسات ومبادئ راسخة. وقال يه انه بالتوضيح الجديد بشأن العمل الديني، يعبر الحزب عن تصميمه على تعزيز الدور النشط للدائرة الدينية والمؤمنين فى تدعيم التنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. أكد الرئيس الصيني هو جين تاو مجددا في ديسمبر 2007 على سياسة حرية العقيدة الدينية، مؤكدا الالتزام بالقانون فى ادارة الشؤون الدينية، وتأيده للحكم الذاتى بالنسبة للمجموعات الدينية. صرح بذلك هو، وهو ايضا الأمين العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، في اجتماع لاعضاء المكتب السياسي للجنة المركزية السابعة عشرة للحزب الشيوعي الصيني بشأن دراستهم للقضايا الدينية في الداخل والخارج. وقال سوف ننفذ سياسة الحزب بالنسبة لحرية الاعتقاد الديني بالكامل، وندير الشئون المتعلقة بها طبقا للقانونواشار الى ان الحزب والحكومة سيشجعان المؤمنين بمختلف الاديان على الحفاظ على تقاليد الوطنية، والاسهام في تنمية المجتمع الصينى، وتوحيد الوطن الام. وأردف قائلا إن ادارة الصين لشؤون الدين سوف تقوم على التفاهم الإنساني، وأضاف ان الاحترام المتبادل ضرورة حتمية. وأضاف قائلا :يجب ان يصل الحزب والحكومة للمؤمنين بالاديان الذين يعانون من صعوبات، ويساعداهم في حل مشكلاتهم. كما أكد هو على تدريب وترقية المختصين بالدين، قائلا ان الحزب الشيوعي الصيني سيساعد ويدعم المجموعات الدينية فى تحسين الحكم الذاتي بها، والتعبير عن آراء اتباعها، وحماية حقوقهم ومصالحهم القانونية. يذكر انه منذ العام الماضي، جمع عدد من برامج التدريب بين الزعماء الدينيين ومعلمى ومسؤولى اللاهوت والادارات الحكومية ذات الصلة بالدين. وتلقوا دورات تدريبية في المعرفة الدينية مثل تاريخ الاديان والاخلاق في العالم، وكذا دورات عملية في نظريات الإدارة، وعلم النفس، والقانون. لقد إكتسب الحزب الشيوعي الصيني شعبيه واسعه تفوق 80%، وعلى الرغم من مفاهيم الحزب الشيوعي الصيني بشأن الدين وإيمانه بالمادية الديالكتيكية الجدلية والمادية التاريخية لكنه استطاع تحقيق توحد إرادة وقوة المؤمنين بالأديان مع غير المؤمنين بها للسعى سويا وراء تحقيق التنمية الاجتماعية فكيف تسنى له ذلك ؟ تعود أسباب هذا النجاح إلى سياسة الحرية الدينية التي يتخذها الحزب الشيوعي الصيني بشكل صادق وشامل وسليم. يؤمن الحزب الشيوعي الصيني إيمانا ثابتا بأن المادة والموضوعي والكيان تأتي في المرتبة الأولى، ويعتقد أن تغير وتطور الأشياء الموضوعية يحدث وفقا لقوانينها الداخلية وليس بفعل أي تدخل خارجي ينتهك نظام الأشياء الموضوعية الداخلية. وإن الموضوعي المذكور هنا هو كل الأشياء بالإضافة إلى أفكار الفرد الخاصة، لذلك يكون وجود الدين موضوعيا. ولوجود الأديان أسباب تتعلق بالمجتمع وفهم الناس، والدين نظام موضوعي بوصفه ظاهرة عامة وطويلة الأمد في حياة الروح البشرية، وسيكون الدين موجودا في المجتمع الاشتراكي لذلك يجب الاعتراف وحترام وجود الدين، وهو كيان وواقع موضوعيين، ونمارس الأعمال الدينية برؤوية بعيدة المدى ونسير بخطوات ثابتة، ونلتزم بالقوانين الموضوعية. ويعتقد الحزب الشيوعي الصيني أن المؤمنين بالأديان وغير المؤمنين بها متساوون في المصالح الأساسية السياسية والاقتصادية، ولذلك تكون الاختلافات في المعتقدات الايديولوجية في المرتبة الثانية، وإن الالتزام بالوحدة والتعاون السياسي واحترام كل المعتقدات الأخرى يمكنها أن تجعل الدين يلعب دورا إيجابيا في تعزيز التناغم الاجتماعي. والبرهان الساطع لصدق الحزب الشيوعي على إحتمال إحترام الاديان إصدار بياناً رسمياً تعارض فيه بإسم وزارة الخارجية الصينية هونغ ليه ان بلاده تعارض أي تشويه للإسلام، وتدعو إلى الحوار والتواصل بين مختلف الحضارات والديانات.