أحياناً تتنوع المفردات في وحدة المعنى... فللموت عدة مسميات... من مصيبة ورزية... وقاصمة الظهر وبلية ... من صاعقة وفاجعة ... ومفرقة... وهادمة... وكلها تساوي إحساس بالألم والمرارة والوجع حد الخدر وانعدام الحس... وعندما يفرد الموت جناحيه ليرفرف.... إذا حانت الساعة... تتسق معه كل الأسباب... وتتهيأ الظروف... لتكتمل المشيئة الإلهية ... والموت ليس عدم محض... بل هو مرحلة انتقالية بين حياة قصيرة وأخرى سرمدية...إن فهمنا لحقيقة الموت يعني فهمنا لنصف القصة المروية أو النصف الآخر المخفي والغائب عنا...حتى إذا ما أدركناه أصبحمعلوماً لدينا... هو حقيقة ساطعة لا ينكرها أحد ... وبذات القدر لا يقبلها أو يطيقها... أحد... نخافه... ونفر منه ... ونتجاهله... وكأننا نأمل (بالخلود المستحيل)... ولكننا نفاجأ كل يوم برحيل الأعزاء ملء السمع والبصر... عندها فقط ... نصاب بالذهول والصَّدمة... ويصبح بصرنا في ذاك اليوم حديد... ونتخيل حالنا ومآلنا... ونبكي أنفسنا قبل ميتنا... فالموت ذكرى وعظة وعبرة فهل من مدكر...!أتى العيد هذا العام يحمل في أذياله مصيبة ألقاها علينا في ثالث أيامه المباركات... وكان آخر يوم في حياة ابن شقيقتي الشاب الوسيم ذي التسعة عشر ربيعاً (وائل)... نور عين أمه ... وثمرة فؤادها ... وحشاشة قلبها... صغيرها المدلل الذي لا ترد له طلباً... ولا تمنعه مقصداً... (ولا ترى عيبه عيباً كما قالت)... فهو البار الرحيم بها... الهادي... الأنيق ... لازلت أذكر حذاءه الضخم المودرن... وساعته الكبيرة.. وشعره اللامع... وعيناه البريئة... وملامحه الطفولية... أصر (وائل) أن يذهب مع أصدقائه لحضور مناسبة تخصهم ولم تقو (أمه) على الرفض والصمود أمام إلحاحة ونظراته المتوسلة... (كيف لا وللموت موعد لا يخلف)...أثناء العودة وفي شارع الموت... قبل مدينة ود مدني بحوالي أربعين كيلو... وقع الحادث البشع الذي راح ضحيته أكثر من ثمانية أشخاص... نحسبهم شهداء عند الله... مات (وائل) ورحل مع أصدقائه...!! زاوية أخيرة: ذكرت أحبتي وديار أنسى وراجعت بهم الزمان فضنا... أبي الزمان إلا أن يقول للنهايات الإليمة ميقات... انطفأت الشموع وأسدل الستار!!!