الإقتصاد الصيني إن ازدهار الإقتصاد الصيني وإنتشار منتوجاته في معظم أنحاء العالم كما الفقاعة واتساعه بشكل سريع ومذهل غير متوقع مع وجود مواقع صناعية منافسة غربية وآسيوية له ، اشبه بالسير ببراعة بين حبات المطر دون بلل ، أمر يدعو للغرابة كما يدعو للإعجاب والتساؤل عن الظروف التي ادت لهذا النهوض العملاق الذي يعود لعوامل مساعدة عدة داخلية وأخرى خارجية سأستعرضها بشكل موجز كالآتي : العوامل الداخلية: قبل البدء لابد من لفت النظر الى أن إقتصاد الصين هو إقتصاد دولة، ومن هنا يأتي نجاحه الذي يتطلب الولاء والإطاعة المطلقة للسلطة والنظام دون نقاش أو اعتراض . وهذا الولاء للدولة لأكثر من مليار شخص نشأ من التخطيط الحازم لماوتسي تونغ منذ بدء المسيرة الكبرى المسلحة التي قادها منتصف الثلاثينات حتى إنتصاره على حكومة "تشانغ كاي تشك" نهاية الخمسينات، حيث كان يَعِد ملايين الفلاحين الذين انضموا تحت لوائه بالأراضي المجانية وفق شعار الأرض لمن يفلحها، بما كان يعد حلماً لهم في نظام إقطاعي جائر حيث كانوا يعاملون معاملة العبيد والأقنان منذ آلآف السنين ، لذا أخلصوا لماو وأيدوه ونصروه في كل معاركه العسكرية. وقد استجاب الشعب الصيني لقوانين ماوتسي تونغ دون تذمر مما يدل على الإخلاص لتوجيهاته ومبادئه ، فأحسن إستغلالهم في بناء الإقتصاد الوطني بأسلوب ذكي واع قل مثيله ، وذلك بالتعامل مع الواقع في الإستعانة بالمواد والقدرات والإمكانات المحلية . وهكذا فإن الإقتصاد الصيني انطلق من هدف أساسي ألا وهو رئيس الإكتفاء الذاتي بتشغيل كل الأيدي العاملة في البلاد بأعمال لاتتطلب أي مهارات، مع قليل من التوجيه والإرشاد . لذا فإن النظام الماوي شجع على التعليم المجاني للجميع وأعطى الأفضلية للمدارس المهنية حيث يُفرز الطلاب الذين لايتمتعون بالملكات العلمية منذ صغرهم نحو تلك المدراس لتعلم حرفة ما تختص بالصناعات الخفيفة. العوامل الخارجية: لقد ساعدت الرأسمالية الأمريكية كثيراً في ازدهار المصانع الصينية إذ رأت في تمدد بعض أنواع سلعها الإستهلاكية الخفيفة وسيادتها في أمريكا والعالم فرصة جيدة للإستثمار في الصين لتحقيق الربح السريع مع فارق الهامش الواسع بين سعر الكلفة وسعر المبيع ، فعمدت إلى حجب المال عن المصارف الأمريكية أو إمساكه من خلال موقعها المالي في المسألة المعروفة بأزمة الرهن العقاري الأمريكية مما تسبب بأزمة مالية خطيرة في البلاد مع التضييق على المَدينين أو المقترضين بضروة الأيفاء ضمن المواعيد المحددة التي اختلّت لديهم فجأة دون سابق إنذار لتناقص مداخيلهم الشهرية التي التُهمت وتناقصت بشكل غير متوقع بسبب إرتفاع أسعار النفط إلى حد غير معقول وبالتالي إرتفاع كلفة المعيشة بتأثيرات هذا الإرتفاع بشكل آلي عقب الغزو الأمريكي للعراق ، فكان ذلك سبيلاً للرأسماليين الأثرياء لتوجيه إستثماراتهم نحو الخارج وإلي الصين بشكل رئيس حيث عمدوا إلى بناء تجمعات صناعية أمريكية فيها اعتمدت التنويع في الإنتاج ، من إستهلاكية خفيفة إلى صناعات متوسطة كالأجهزة الكهربائية بأسماء شركاتها الأمريكيةوالغربية المشهورة بتكلفة ضئيلة . وقد مهد لهذه الأزمة العالمية، تعميم إتفاقية منظمة التجارة العالمية منذ العام 1995 التي تنص أحدى بنودها على إسقاط الرسوم الجمركية الحمائية الضرورية المعتادة عن السلع الإغراقية المستوردة من قبل الدول الموقعة على الإتفاقية، تحت حجة واهية وهي ضرورة إنسياب التجارة في العالم بأكبر قدر من السلاسة واليسر والحرية ؟ فكانت هذه الإتفاقية التي وقعت عليها 152 دولة حتى الآن هي مفتاح التقهقر الصناعي الأمريكي والغربي الذي عجز عن مواجهة الإغراق السلعي الصيني مع رفع الحماية الجمركية عن البضائع الوطنية ؟ نبط كبير مع نهاية القرن المنصرم بدأت الحكومة الأمريكية تشعر بوطأة نمو الإقتصاد الصيني النشط على وضع إقتصادها المترهل، فبدلاً من بذل الجهد لإعادة تجديد مسيرته وتعديلها بما يتلائم وحاجات العصر وضروراته في مواجهة الصين فإنها عمدت بناء لضغوط أثرياء وول ستريت إلى اتباع نهج إستعماري بغيض ارتد عليها سلباً بشكل خطير مع احتلالها لأفغانستان لقطع الطريق على الصين في التعاون مع الأفغان في التبادل السلعي لقاء إستغلال ثرواتهم الخام من حديد ومنغزيوم وفضة وذهب ونحاس وغاز وخلافه بما يتلائم ونمو الصناعات الصينية في عمليات مقايضة بحتة . وقد احتلت أمريكا أفغانستان في عملية هوجاء إذ لم تجن من هذا الإحتلال أي نتيجة إيجابية لتصحيح وضعها الإقتصادي كما كانت تأمل . كما صدمت بعدم وجود سوق إستهلاكية لبضائعها في أفغانستان ، بل لقد وجدت نفسها في مأزق غير محسوب إذ أن ميزانية أفغانستان لاتزيد بعد عشرون عاماً من الإحتلال ، عن ثلاثمئة وخمسون مليون دولار سنوياً ؟ اي إنه مبلغ متواضع لايرقى إلى الإنفاق السنوي لأي من أثرياء نيويورك أو أحد الأمراء العرب . إنها بيئة أفغانية فقيرة زادها وطأة فساد الحكام المتجذر الذين ينهبون المال العام بما فيه أموال المساعدات الخارجية التي ترسل لبناء بلادهم فيستولون عليها كجزء من ممارسات الإحتلال وثقافته القائمة على الفساد وانعدام الوطنية والضمير في تعاون وثيق بين السلطة والإحتلال قائم على المنفعة والنهب المتواصل في بلد لايزيد متوسط دخل الفرد فيه على الدولارين يومياً ، فأي أمل يرتجى وسط هذا الفقر لتسويق منتجات المصانع الأمريكية الغالية الثمن قياساً بالسلع الصينية ؟! لذا فإن هذا الإحتلال لأفغانستان جاء عشوائياً على غير وعي لتخطيط إقتصادي فاشل غير مجد . إلا أن قادة أمريكا مصرين على مايبدو على دوام هذا الإحتلال كوسيلة فاعلة لحصار الإقتصاد الصيني ومنع تمدده نحو الأراضي الأفغانية مستقبلاً وفقاً لوجهة نظرهم القاصرة.. ولكن الأسوأ من هذا التصرف في احتلال أفغانستان لمواجهة الإقتصاد الصيني هو اعتمادهم على تسويق إتفاقية التجارة العالمية وحض دول العالم على التوقيع عليها، فكان نتيجة تطبيق مضمونها أداة النحر الأساسية للأقتصاد الأمريكي إذ أنها تفرض على الدول المشاركة ألا تستوفي الرسوم الجمركية على وراداتها. إلا أن هذا الأسلوب السلبي المتسرع ضاعف من الصادرات الصينية نحو الخارج بشكل غير مسبوق مع إنتفاء الرسوم الجمركية لمكافحة السلع الإغراقية حماية للصناعات الوطنية وزيادة واردات الخزينة ، فكان أن كسدت البضائع الغربية وافلست المصانع وفرغت الصناديق الحكومية من المال ، بترافق مع عمد أمريكا إلى رفع اسعار النفط بشكل حاد، وهو الهدف الخاطىء الآخر الذي دفع واشنطن إلى احتلال العراق الذي كان يعارض الرغبات الأمريكية في رفع سعر النفط، بل أنه كان يعمد إلى تخريب جهودها في منظمة اوبيك ببيع النفط سراً بسعر يتراوح بين عشر دولارات وثمانية عشر دولاراً للبرميل الواحد ، خارج اتفاق النفط مقابل الغذاء الذي كانت ترعاه الأممالمتحدة لسداد ديون العراق نتيجة احتلاله الكويت، بينما كان السعر العالمي بحدود ثمانية وعشرين دولاراً للبرميل مما دفع أمريكا لاحتلال العراق بقصد رفع سعر النفط إلى الحدود القصوى الممكنة حتى كاد سعر البرميل يقارب المئتي دولار لولا انعكاسه السلبي الشديد على المصانع الأمريكية وإفلاسها بما تسبب فيه من إرتفاع لتكاليف إنتاج السلع لديهم وبالتالي دوام إنعدام المنافسة مع السلع الصينية الرائجة. وهكذا فإن الهدف من رفع سعر برميل النفط إلى الحدود القصوى لم يؤد إلى الهدف المرجو منه في لجم تمد ونمو الإقتصاد الصيني بل أدى إلى الإضرار بالصناعة الأمريكية ، وهو أمر معروفة نتائجه سلفاً لأي مطلع . ولكن فقدان التوازن الأمريكي في التخطيط والتنظيم مع فشل أهداف حكومته في احتلال أفغانستان والعراق بإيذاء الصين وتعويق إقتصادها أدى إلى هذه العشوائية في التخطيط الإقتصادي إلى حد انفجار الأزمة المالية العالمية عام2008 التي لايعرفون مخرجاً لها مع معارضة مجلسي الكونغرس لأي مقترحات بضغط من أثرياء وول ستريت الذين يرفضون إقرار أي ضرائب على أرباحهم . وقد استغلوا هذه الأزمة المالية والإقتصادية الطارئة إذ وجدوا فيها الفرصة الملائمة لنقل أموالهم لإعادة استثمارها في الصين لجني المزيد من الأرباح . وبذلك تكون الصين قد استفادت كثيراً من التخبط الأمريكي وعجزه في وضعه الإقتصادي والصناعي بتكثيف إنتاجها وتطوير صناعاتها. دور التخبط الأوروبي في ازدهار الإقتصاد الصيني: لقد سعت دول الإتحاد الأوروبي إلى إصدار اليورو في العام 1999 زيادة في دعم السوق الأوروبية ووحدتها المشتركة في نقد قوي موحد وفتح الأسواق فيما بينها من أجل تعزيز صناعاتها التي بدأت بالتهاوي أمام المنافسة الإغراقية للسلع الصينية إلى حد إغلاق آلآف المصانع في معظم دول اوروبا والتعويض عن إنتاجها باستيراد السلع الصينية بشكل واسع ، باستثاء فرنساوألمانيا التي تتمتع صناعاتهما ، خاصة الكهربائية والحربية والثقيلة ، بسمعة عالمية رغم ارتفاع أسعارها لجودتها بحيث يتعذر على الصين منافستها ، ومن هنا فإن أزمة منطقة اليورو لم تطالهما. أما السبب في تفاقم هذه الأزمة وتعذر إصلاحها فهو الإصرار على اعتماد نهج إتفاقية منظمة التجارة العالمية التي تتعرض لنقد شديد من إقتصاديي أوروبا وبعض مسؤوليهم التي يعجزون عن إسقاطها لتمسك الأمريكيين بها، والتي تقتضي بنودها إسقاط الرسوم عن إستيراد السلع كافة بما فيها السلع الصينية الإغراقية مما أدى إلى تضعضع إقتصاد معظم دول اوروبا وإفلاس مصانعها وخزائنها مع إنتفاء الإيرادات الجمركية التي حاولت تعويضه بطلب الدعم المالي من ألمانياوفرنسا. نواصل،،،،،