إعلان الرئيس الأمريكي باراك أوباما تجديد العقوبات الأمريكية على السودان والتي أعلنها 1996م.. الرئيس الأسبق كلينتون أدهش الكثيرون وقد كان الأكثر دهشة من يديرون شؤوننا الخارجية وعلاقاتنا مع العالم الخارجي وخاصة الغرب بزعامة أمريكا بعد أن استجابوا لكل ما طلبته أمريكا (سراً وعلناً) وتلقوا وعوداً كثيرة من كل مبعوثيها أن اسم بلدهم في طريقة إلى القائمة البيضاء بعد أن طُبع ستة عشر عاماً في القائمة السوداء فهل كان الأمر بالفعل مفاجأة؟ وهل هناك شروط لم تنفذها حكومتنا لتجديد العقوبات؟ ما المطلوب لكي ترضى عنا أمريكا؟ مراقب سياسي أكاديمي متخصص في العلاقات الدولية أكد أنه كان سيصاب بالدهشة إذا أعلنت أمريكا أنها رفعت العقوبات أو حتى في طريقها لإلغائها، وأضاف أن الأمر ليس بحاجة إلى دراسة أو بحث لأنه واضح يعلن عن نفسه كل صباح منذ أن وقع السودان على اتفاقية نيفاشا الذي وضعت أمريكا بنوده كنا ننتظر هذا القرار منها بل اشترطنا إعلان أمريكا أن ترفع أمريكا اسم السودان عن قائمة الدول الراعية للإرهاب وتنهي العقوبات الاقتصادية وأشار المراقب إلى أن الذين وقعوا هذا الاتفاق أكدوا في ذلك أنهم تلقوا وعوداً بأنه بمجرد التوقيع على اتفاقية نيفاشا سيرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب لأن مجرد قبول السودان لشروط الاتفاقية يعني أنه لم يعد دولة أصولية متطرفة بعد أن أعطى الجنوبيين حقهم في الثروة والسلطة. بل أن الاتفاقية أقرت بأن جنوب كردفان والنيل الأزرق لهما مشكلة مماثلة للجنوب بحاجة لاقتسام السلطة والثروة واتسعت الآمال والحكومة تطبق ما وضعته أمريكا حرفياً، وقال المراقب إن كل المتفائلين يجمع بينهم أنهم فكروا باعتبارهم رعايا دولة من دول العالم الثالث حيث يقبض الرئيس على كل شيء ويوجه حركة الدولة حسب مزاجه ومصالحه الخاصة ونسى الجميع أن استراتيجية أمريكا في مرحلة ما بعد الحرب الباردة تقوم على منع ظهور أي كيان هناك لأن يصبح قوي إقليمية أو دولية تهدد هيمنة أمريكا خاصة إذا كان هذا الكيان خارج بيت الطاعة الأمريكي وبأفكار مستندة للعقيدة الإسلامية التي ترى أمريكا أنها أشد خطراً عليها من الماركسية التي حاربتها لأكثر من ستين عاماً وبالأخص إذا كان لديها من الأمكانات الطبيعية والبشرية ما يمكنها من تحقيق ذلك، وأضاف المراقب أن أمريكا عندما أعلنت الحرب على السودان منذ أوائل التسعينيات لم يكن السبب هو ترديد الدفاع الشعبي «أمريكا قد دنا عذابها» كما يعتقد بعض «الطيبين» على حد تعبير المراقب الذي اتجه إلى أنه في ذلك الوقت كانت أمريكا تكون الجمعيات المسلحة استعداداً لإبادة كل «الزنوج» وذلك لأنها ترى أن أمريكا بلد «البيض» وهي بالتالي تدرك أن السماح لبعض الجماعات المتطرفة هو جزء من لعبة العلاقات الدولية التي تدفع للتعاون مع المعتدل حتى لا يسيطر (المتطرف).. وأمريكا تدرك تماماً أن السودان عندما وصل لمرحلة (أمريكا قد دنا عذابها) كان ذلك لأنها دعمت تمرد قرنق بأحدث الأسلحة الفتاكة وطلبت منه تدمير الشمال وتغيير مساره الحضاري ومن الطبيعي أن يأتي الرد تصميماً على مقاومتها وإظهار عدم الخوف منها، وأرجع المراقب اتساع حالة الدهشة لغياب التحليل الحقيقي للموقف الأمريكي بالصحف وأجهزة الإعلام وقال لو كان هناك محللاً واحداً نبه الدولة إلى ما أعلنه المذيع الداخلي لمؤتمر الحزب الديمقراطي الذي تعلنه الفضائيات على الهواء من أن أوباما أعلن اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل وقالها بوضوح «obama recognizes, Jersalem. the capital of Israel » . بل إن أوباما استصدر قراراً في مؤتمر الحزب بتأييد الحزب لقراره هذا رغم أن الأغلبية وقفت ضده.. لو كتبت الصحف سطرين على حد قول المراقب في هذا الصدد لانتبه الجميع إلى أن القرار المتوقع هو استمرار العقوبات على السودان لأن اليهود وإسرائيل يحددون لأمريكا مع من تتعامل ومن تعاقب... وقطع المراقب بأن هذه العقوبات لن ترفع عن السودان إلا إذا سلمنا أمريكا كل مفاتيحنا كما فعل حسني مبارك وتركناها تدير (كل شيء). المحلل السياسي د. جمال رستم يرى أن القرار ليس بالجديد أو المدهش بل هو قديم يتجدد سنوياً منذ 1997م مستشهداً بضربة مصنع الشفاء، وقال إن العلاقات السودانية الأمريكية ظلت مضطربة منذ نيفاشا رغم محاولات الحكومة السودانية لإظهار الجدية واستجابتها لكل مطالب أمريكا حتى الآن فيما يتعلق بملف العلاقات بين السودان وجنوب السودان، وأرجع رستم ذلك إلى أن أمريكا ترى أن السودان البوابة التي نفذت من خلالها الصين إلى أفريقيا ضمن الصراع الصيني الأمريكي حيث ترى أمريكا في الصين انها تحاول سحب البساط منها في أفريقيا وتشكل عقبة وجود لها إضافة إلى العلاقات السودانية بحماس وإيران وهو الأمر الذي يؤثر عليه اللوبي الصهيوني في القرار الأمريكي تجاه السودان، واستشهد رستم بموقف أمريكا من دولة جنوب السودان بعد إعلانها الاستقلال (كما تطلق عليه) أو الانفصال عن السودان حيث أعلنت أمريكا اعترافها بها ورفع العقوبات عنها، وقال أمريكا تظل تعلن العقوبات لأجل تقديم المزيد من التنازلات بهدف إضعاف السودان وجبهته الداخلية مشدداً على أهمية توحيد الجبهة الداخلية للسودان وحلحلة جميع المشاكل والعمل على خلق استقرار سياسي داخلي حيث قلل رستم من الاتجاه إلى الصين وروسيا وهي تبحث عن مصالحها والتي حجمها أكبر من أمريكا، وقال الدليل على ذلك أن الصين لم تقف إلى جانب السودان عند اندلاع الأزمة مع الجنوب بحجم التوقعات وقال رستم إن الرئيس الأمريكي ليس إلا أداة لتنفيذ السياسة الخارجية وبالتالي فإن على السودان أن يتعامل مع إيران باتزان واضعاً في اعتباره الصراع الإسرائيلي الإيراني في ظل توقعات بازدياد حجم العداء والإعداد لضربة على إيران تخطط لها الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل كما أنه على السودان أن يراعي مصالحه مع دول الخليج والاتجاه نحو الدول العربية باعتبار أن السودان من انفصال الجنوب يعد ضمن منظومة الدولة العربية.