مؤتمر الحركة الاسلامية الذى انفض تاركا صداه المجلجل كان أفلح فى حشد المؤيدين من الداخل والخارج بلا هوادة كما كشفت شاشات التلفزيون وكاميرات الصحف لاسيما لدى تظاهرات انتخابية عارمة جلبن الأصوات للدكتور الطيب محمد خير من حيث ندرى ولا ندرى ، فانفتح باب المفاجآت وباب الحركة . علامات استفهام وتعبيرات مؤججة للمفاجآت والاشواق نحو تغيير مسنود باستقامة مرجوة شرعا وشرطا لعضوية ، فما النتيجة؟ المؤتمر اتسم بالتفرد تنظيميا فأعاد للأذهان الضجة التى اثارها مؤتمر الذكر والذاكرين الذى ابتكره الاستاذ على عثمان يوم كان وزيرا للتخطيط الاجتماعى(1994)وما تكرر فتجددت إيحاءاته وكوامن العلاقة إياها بين الحركتين الضاربتين الاسلامية والصوفية لتثيرأشواق تلاقيها كما اثارت نزعة روحية تسامحية غلابة يستدعيها المزاج العام تستعصم بالماضى وتبرر لنفسها بحاجة العصر لتلاقى اهل القبلة . النزعة الروحية وحاجة العصر ، هذا ما استوقفنى اكثر فى هذه الاثناء عبر سياق غريب لتواتر الخواطر بين ما نمسى ونصبح عليه من هواجس التشاؤم من عواقب الفرقة مقابل بوارق التفاؤل ببشريات التلاقى يوما بين كل الأطراف المتلاومة على غير ثوابت ، ومصدر الغرابة ان هذا السياق الروحى الذى يعترى الساحة تؤججه ثورة التكنولوجيا ونعرف انها أنتجت ثورة الربيع العربى التى مهدت لمؤتمر فى الخرطوم مختلف يقول الكثير فى العلن وعلى طريقة(ذاع وعم القرى والحضر)فماذا وراء ذلك بخلاف انه لا سر مع التكنولوجيا ولا جفاء ؟ . فى يدى دراسة حديثة تقول صراحة(إن الجدال بالحسنى هو سمة المتدينين الحقيقيين) نعم المتدينين الحقيقيين و(إن مفهوم التسامح يقوم على فكرة الايمان بالمساواة التامة بين البشر)هذا القول يبدو عاديا وبالامكان ان نلمسه فى توصيات المؤتمر بين استعصاماته بالقيم لكن الجديد ان القائل هو الشبكة العنكبوتية والفيس بوك والتويتر وما إلى ذلك من مئات المواقع الالكترونية التى يؤمها الملايين من كل الجنسيات والثقافات يتحدثون عن اشواقهم وأجندتهم (على راحتهم) . وتابعت برنامجا بالتلفزيون فى هذه الاثناء مع شاب متصوف(إيهاب الشيخ موسى الشيخ الجيلى الشيخ المكاشفى)وهو باحث اجرى دراساته فى(مدائح جده)وحصل على الماجستير . كشف عن شبكة من التواصل الالكترونى بين شباب الصوفية على امتداد العالم لنشر افكارهم بلغة جيلهم خارج(السجاجيد) ولتحبيب الناس فى الاسلام . فكأنه يعلن عن مشروع صوفى لمواكبة العصر ، ليته يكون مشروعا جامعا للحركة الاسلامية ولكل الجماعات الدينية التى طالما اشتاقت لما يوحدها فيقويها ويصلها بأمجادها ، فكأن الشبكة تقول لهم هاأناذا .. تقول الشبكة:(لقد تعلمنا من التاريخ انه بلا سلام اجتماعى لا تنمية بشرية)هكذا تتحدث دراسة عنوانها(تعليم التسامح)للتكيف مع الخلافات حتى لا تتحول الى عنف وخطايا . الدراسة تعتبر التعددية والتنوع ( قضية الساعة) فى عصر تقانة الاتصال التى تعيننا على انتاج ثقافة من نوع جديد تقوم على(الاحترام الكامل للاختلافات بين الهويات واحترام قناعات الاخرين ومحاربة العنف اللفظى) من منا لا يريد ذلك؟ ولكن كيف وأين الدور الدعوى الاستقطابى للجماعات الدينية فى عالم إلكترونى مفتوح للآخر لسان حاله سودانى بحت(الحشاش يملا شبكته)؟!.على المواقع الالكترونية أطروحات تغازل الأشواق منها كتاب عنوانه(الهوية والعنف)لمفكر هندى حائزعلى جائزة نويل(أماراتيا صن)ينظر للهويات الدينية (باعتبارها أساس تصنيف سكان العالم) وتوصل الى أن الهوية الاسلامية مرشحة لتخليص العالم من شرور الاختلافات(الله أكبر) .. ووجدت باحثا عربيا يروج لفكرة خلق(الذهنية البشرية المتسامحة) من خلال استخدام التكنولوجيا فى مجال تعلم اللغات(مجلة العربى ، نوفمبر ، ابراهيم فرغلى)هناك 65 لغة داخل الحاسوب جاهزة لنشر التسامح الذى شغل الصوفية وكل الجماعات الدينية المتوازنة عن قوة . من الواضح ان المواقع الالكترونية الآن تعمل وبمختلف اللغات لتشكل منصة دعوية للجميع بشرط المصداقية ، إنها تدعو الى(الكف عن تضخيم الذات، كأساس للتعايش أيا كانت جنسيتنا او عقيدتنا) .وانا أتابع بشريات الشبكة هذه استوقفنى حوار إذاعى فكرى مع د. امين حسن عمر كشف عن تأثير الصوفية على رموز الحركة الاسلامية أداره الباحث مصعب الصاوى على طريقة الحاسوب(كلك) وتنهمر الافكار فتراءى لى ان المطلوب من كل هذه الافكار المتواترة هو اشاعة(ثقافة التسامح) لتنتج لنا التعددية والمساواة التى نريد فنتقوى ، فلماذا لا نفعل؟ . لكيما يبدو لنا الأمر ميسرا فنفعل شيئا بعد كثير كلام كشف موقع آخر أن ثلاثية التسامح والتعددية والمساواة كانت الشغل الشاغل لعلماء المسلمين الأوائل وخصوصا على أيام الأندلس فنهلت منهم أوربا الأفكار التى انقذتها من متاهات العصور الوسطى أى إننا علمناهم التسامح الذى يطالبوننا به اليوم وهم يصنفوننا فى خانة لا تشبهنا. (الذكرى تنفع المؤمنين)ولنا المثل الاعلى فى مرجعية القوم(إذهبوا فأنتم الطلقاء)صلى الله عليك وسلم يارسول الله ، إنه العفو عند المقدرة وبقدر العشم( أخ كريم وابن أخ كريم)هكذا التسامح دليل قوة وسماحة وشفاء للصدور . إن(إدراك قيم التسامح وحسن المعاملة) أشبه بروشتة منقذة للبشرية تبدو ضائعة لكنها متوفرة فى(تراثنا)لا نستوردها فلنبادر اليها ونثرى بها مواقعنا الالكترونية للإستفادة من قدرتها الفائقة على تجميع الملايين رغم التنوع الهائل فى الثقافة والأيدلوجيات لإنتاج هوية جامعة تتيح التلاقى مع الاخرين واستقطابهم الى جانبنا بحرية فى عالم رحيب متفاعل يحرض على النزاهة والتفاهم ومخافة الله فى حقوق الآخرين. إن التكنولوجيا تمنحنا فرصة لنكف عن(تضخيم الذات) فنفهم بعضنا أفضل فنتسامح وندرك ان الوحدة مطلوبة ونجدها فى التنوع لندرك القوة . وإذا أردنا القوة للأمة علينا بوحدة الجماعة أولا وعلى شرط التواصل والتسامح . لماذا لا؟!