ü دخل عليّ في مكتبي بعد غيبة طويلة أمس «صديق» آخر لحظة عبد الله يوسف!! دخوله صادف الذكرى الخامسة لرحيل هرم الأجيال والأستاذ الصحفي الكبير حسن ساتي!! في مثل هذه اليوم قبل خمسة أعوام جاءني أيضاً في مكتبي عبد الله.. صحت فرحاً آن ذاك : عندي ليك بشارة.. حسن ساتي موجود في السودان وفي مكتبه!! ذهبت إليه وقلت له: هناك من يتمنى أن يقابلك وحكيت له المحاولات السابقة التي بذلها عبد الله وفي كل مرة نقول له إنك مسافر!! بدأ سعيداً كطفل بقلب أبيض!! في إحدى المرات أغروقت عيناه بالدموع عندما جاءه ذلك المهندس القادم من الجيلي وقبل رأسه في لحظة صوفية نادرة.. قلت له ونحن في الفناء الخارجي لمبنى آخر لحظة القديم: هذا ما يتمناه كل مبدع وصاحب رسالة!! ü أول مرة رأيت فيها حسن ساتي كان خارجاً من مكتب أستاذنا أحمد البلال الطيب مدير تحرير الأسبوع أيام الديمقراطية الثالثة (أعادها الله سالمة غانمة).. كنت في سنة أولى صحافة!! نعرفه ولكننا لا نملك سوى الانبهار !! ولا شيء غير ذلك ونحن آن ذاك«شفع يفع». ü المرة الثانية في التسعينات صادفته في مبنى صحيفة المدينة بمدينة جدة.. في مكتب الصديق والفنان العالمي هاشم كاروري.. سلم عليّ بحرارة وتبادل مع كاروري بعض الونسات على الطريقة السودانية وقال إنه في طريقه لعثمان عابدين.. حدثني عنه كاروري بمحبة وفخر والرجل يحتل منصباً مرموقاً في الصحيفة!! ü المرة الثالثة ويا للسعادة كانت في آخر لحظة.. قلت له أنا سعيد أن أجد اسمي مع اسمك في الصفحة الأولى.. بدأ سعيداً بذات الأحاسيس التي التقى بها «عبد الله» والمهندس القادم من الجيلي!! انخرطنا معه في تأسيس آخر لحظة.. كان يعمل بهمة ونشاط زائدين.. أحياناً يجيني إحساس بأنه يختبرني بطريقة ما!! الأمر لا يضايقني ولكنه يجعلني قلقاً بصورة ما ومثابراً لأوكد لهذا «الهرم» أنني جدير بأن أكون معه!! ü في إحدى المرات كان يجلس مع المصمم لتصميم إحدى الصفحات والمكان من حولنا ساحة عمليات وخلية نحل لإخراج آخر لحظة بثوبها القشيب الذي أسعدنا وأسعد صاحب العمل الذي يقول حسن ساتي إننا نعمل عنده!! وقفت خلفه أبديت ملاحظة.. التفت مسرعاً ووجدني خلفه أحسست بارتياح في عينيه للملاحظة طلب مني أن أجلس لأكمل هذه الصفحة. قلت في نفسي هل اجتزت الاختبار الأول عنده؟! ذات يوم قال لي بما يشبه التمني هل يمكن أن أجد عندك مادة اقتصادية ذات طابع سياسي.. على الفور دفعت له بتقرير قامت بإعداده زميلتنا د. فدوى موسى استند على حوار مع د. الزبير عبد الرحمن وكيل الثروة الحيوانية.. وكان يدور حول سؤال مفاده هل تمت صناعة انفلونزا الطيور في مختبرات استخباراتية غربية..أحسست بذات الارتياح وبكلمات تقول هذا هو الأستاندر العالمي!! هل اجتزنا الاختبار الثاني؟! ü ذات يوم هاتفته من وايت ويلز بلندن!! قلت له أنا في بلدكم!! زارني حيث أقيم وعندما رجعت كتبت عنه قائلاً: وجدت حسن ساتي في لندن كأنه لم يفارق العفاض!! قالي لي: إنت معي اليوم في منزلي. وعندما ذهبت إلى هناك وجدته يا للدهشة قد جمع لي أميز أصدقائه وقدمني قائلاً هذا مدير تحريرنا لا أتذكر الآن بقية الكلمات ولكني أحسست بأني اجتزت بنجاح الاختبار الثالث لي أمام حسن ساتي وهو يقدمني بهذه الثقة الزائدة لهذا الحشد من أصدقائه وهم مفكرون ومبدعون من طراز حسن ساتي بكل علمه وكفاءته وإنسانيته!! في صباح اليوم التالي كان يهاتفني بسعادة!! رفعت رأسي أمس لقد أثنوا عليك كثيراً!! رحم الله حسن ساتي «أبو وضاح» فقد رفع رأسنا عالياً.. و أضحى رمزاً وطنياً لن تنساه الأجيال و لن يتجاوزه التاريخ أبداً ..