الذين يتحدثون عن أن السودان لم ولن يتأثر بفصل الجنوب، وأن الجنوبيين هم وحدهم الخاسرون، إنما يلوون عنق الحقيقة لياً يكاد يكسرها ويحجبون عن الأغلبية الجاهلة بحقائق آثار الانفصال السالبة، بل المدمرة للسودان، والذي سرعان ما ظهرت آثاره الضارة مباشرة بعد الانفصال وعاد الناس الى ضنك العيش من ارتفاع رهيب في الأسعار، وتدني مخيف في سعر العملة السودانية بدرجة أخرجت العامة الى الشوارع في تظاهرات متفرقة قبل شهور بعد أن كانت تلك الجماهير خامدة لأكثر من عشرين عاماً.. وهذا وحده مؤشر خطير لآثار الانفصال الضارة، ومؤشر أخطر على أن الأثر على السودان أكبر من أثره على الجنوب.. في اختصار بسيط ندعمه بالأرقام التالية: نقول إن الأثر على السودان أكبر، لأن السقف الذي وصل إليه المواطن في السودان بعد تصدير البترول في 1999م وحتى 2011م بلغ علواً يصعب الانحدار منه وتخطى المواطن السوداني درجات تحمل المعاناة والشدة التي عاشها قبل خمسة وعشرين عاماً، ولن يقبل بأقل من ذلك السقف العالي من توفر السلع وبأسعار مقدور عليها، والخدمات الأساسية المتاحة بدرجة تقارب الرفاهية، وتوفر العمل، خاصة في القطاع الخاص بعد النمو المقدر في الإستثمار إذ بلغ معدل النمو في العام 2009م موجب 4.6% وفي العام 2010م موجب 2.2% والعالم 2011م سالب 4.5% وليس أدل على ذلك التمسك بالسقف العالي هذا من التظاهرات المتفرقة بسبب انقطاع المياه، الكهرباء، نقل النفايات وانفجار الصرف الصحي لعدة ساعات، أو أيام قلائل في بعض أحياء العاصمة القومية أو المدن الكبيرة في السودان وعلى العكس تماماً في دولة جنوب السودان إذ مازال سقف مطالب الجنوبيين متدنياً في معظم الجنوب بسبب خروجهم بعد الحرب الطويلة من مستوى معيشي تحت الصفر.. ومازالت درجة احتمالهم لمزيد من الضنك والمعاناة عالية، ومطالبهم مازالت في الأساسيات من المسكن البسيط والغذاء الضعيف والأمن المعقول.. نسبة السكان الحضر في الجنوب تبلغ 22% من جملة سكان تبلغ عشرة ملايين وستمائة ألف نسمة.. أي حوالي اثنين مليون وستمائة نسمة في حين أن نسبة الحضر في السودان تبلغ 41% من جملة سكان أربعة وثلاثين مليون ومائتي ألف نسمة أي- حوالي أربعة عشر مليون نسمة- كلهم في مدن كبيرة ويتمتعون بخدمات (ماء شرب نظيفة، كهرباء، نظافة وأسواق صغيرة وكبيرة بها كل السلع المحلية والمستوردة، مدارس وجامعات مستشفيات حكومية وخاصة، تأمين صحي، عيادات إطباء).. نسبة الأمية في الجنوب تبلغ 78% وفي السودان 39% فقط.. نسبة تحول المناطق من ريفية الى حضرية في السودان تبلغ 3.7% كل عام وفي الجنوب صفر.. مساحة السودان تبلغ 1.861.484 كلم مربع والجنوب 644.329 حدود السودان مع دول الجوار تبلغ 6.751 كم مربع، 175 كم مع أفريقيا الوسطى، 1.360 كم مع تشاد، 1.275 كمع مع مصر، 605 كم مع اريتريا، 769 كم مع اثيوبيا، 383 مع ليبيا و2.184 كم مع دولة الجنوب.. حدود دولة الجنوب مع دول الجوار 5.413 كم هي: 989 كم مع افريقيا الوسطى، 639 كم مع الكنغو الديموقراطي، 934 مع اثيوبيا، 232 كم مع كينيا، 2.184 كم مع السودان و435 كم مع يوغندا.ساحل السودان البحري 853 كم ودولة الجنوب ليس لديها ساحل بحري، الناتج المحلي لدولة الجنوب بلغ في 2011م بلغ 17.2 بليون دولار وفي السودان لنفس العام بلغ 63 بليون دولار.. متوسط دخل الفرد في دولة الجنوب بلغ في 2011م ما يعادل 2.100 دولار وفي السودان 2.700 دولار.. معدل النمو في دولة الجنوب في 2011م بلغ 1.4% موجب، وفي السودان بلغ في نفس العام سالب 4.5% (- 4.5%) بعد أن كان في السودان الموحد في العام 2009م موجب 4.6% (+4.6%). هذا المعدل الأخير في النمو في الدولتين يؤكد الأثر المدمر على السودان، إذ أنه معدل منحدر من 4.6% الى -4.5% أي انحدار بسرعة 10% في عامين أي 5% سقوط كل عام. هل بعد ذلك تبقى لمن يتحدث عن أن الجنوب هو الذي سوف يعاني وينهار بسبب الانفصال، وحجب نقل بتروله عبر الشمال هل يتبقى لهم أي منطق أو حجة علمية يمكن إقناع مواطني السودان بها والصبر حتى ينهار الجنوب.. من مؤشر معدل النمو السالب أعلاه من الذي سينهار أولاً؟.. ما لكم كيف تحكمون أو على قول الشاعر الرقيق الراحل عبد الرحمن الريح وعلى لسان الحريات الأربع إذا كان لها لسان في رائعته إنصاف «هل بعد ذلك أكون لسهم نواك أهداف.. يا روحي انصفني». لذلك كان الجانب العلمي المدعوم بأرقام مأخوذة من كتيب الحقائق الذي يصدر ويجدد كل شهر من وكالة المخابرات الأمريكية. أما الجانب الماثل والحقيقي الملموس لكل مواطن وهو: الجانب السياسي أي الدولتين تعاني أكثر من الحروب وتصرف معظم الدخل القومي في القمع والقضاء على التمرد.. السودان في حروب عصابات واستنزاف مستمر في كل من دارفور، جنوب كردفان والنيل الأزرق.. وسوف تمتد الى مناطق التماس في الحدود مع الجنوب خاصة أبيي، إذا لم تُحل هذه المعضلة التي استعصت على الاتحاد الأفريقي والآن تقترب من مجلس الأمن وقراره 2046، وصول الأمر الى مجلس الأمن ليس في صالحنا قياساً على مؤشرات الانحياز الواضح الى دولة الجنوب خاصة من الولاياتالمتحدةالامريكية ومندوبتها سوزان رايس والتي قد ترفع مع وزير خارجية في يناير القادم. يجب أن نعمل بكل همة وسعة صدر ورجاحة عقل على عدم إحالة الأمر الى مجلس الأمن مرة أخرى، ويجب ألا نحارب طواحين الهواء، كما فعل دون كيشوت وسقط.. المدخل الى الحل هو البدء في تنفيذ الاتفاقات التسعة الأخيرة الموقعة بين الرئيسين في سبتمبر الماضي في أديس أبابا، وبصفة عاجلة فورية اتفاق إعادة ضخ البترول عبر الشمال.. وإعمال الحريات الأربع، وترك باقي الاتفاقات تنساب تنفيذاً بصورة تلقائية بعدها وبكل المنطقة سوف تُحل المسائل الأمنية والحدود المتنازع عليها، لذلك يجب عدم ربطه بكل ما تم الاتفاق عليه.. تاريخياً نزاع الحدود نزاع يمتد لعقود من الزمان، وفي وتائر مستمرة من الهدوء والتحرش كما يحدث منذ أكثر من خمسين عاماً بيننا ومصر في حلايب وبيننا وأثيوبيا في الفشقة وكذلك الحال في كل العالم.. لا تدعوا الأمر يذهب الى مجلس الأمن.. ألا هل بلغت اللهم فاشهد. والله الموفق