اندهش مستقبلو باقان في إحدى زياراته للخرطوم.. أموم كان يرتدي جاربين بألوان مختلفة.. من أحسن الظن حسب أن زوجته الطبيبة الحسناء لم تنتبه لاختلاف الألوان وهي تعد حقيبة السفر.. أصحاب الغرض السياسي أشاعوا أن لا كهرباء في جوبا تعين على فرز الألوان.. الحقيقة أن باقان في حمى العاطفة السياسية أراد أن يرسل رسالة للخرطوم تعضد فكرة أن تباين الألوان والأعراق يجب أن يكون مصدر قوى لا ضعف. تغليب العاطفة السياسية ليس حكراً على سياسيي الجنوب.. في الخرطوم هناك من يبتسم عندما يضيق أهل الجنوب وتصيب المسغبة بعضاً من أطرافه.. وهنالك من يسعى لفرض حصار غذائي على إخوتنا الجنوبيين.. هؤلاء يفوت عليهم أن الخرطوم أول من يدفع ثمن انهيار الدولة في الجنوب. إذا نظرنا إلى واقع السودان في غياب النفط.. تصبح الصورة في غاية القتامة.. موازنة السودان للعام القادم تشهد عجزاً مقداره عشرة مليارات جنيه.. العجز منسوب للدولار يبلغ نحو مليار ونصف بالأسعار الحقيقية للدولار.. إذا ما تدفق النفط الجنوبي بطاقته القصوى سيجني السودان ما يقارب مليارين ونصف مليون دولار.. هنا تصبح الموازنة بلا عجز وربما تحقق فائضاً.. الواقع أن وزارة المالية أعدت موازنة بعجز كبير لأن عينها على بترول الجنوب. دولة جنوب السودان حالها اسوأ.. النفط يشكل 98%من إيراداتها المالية.. دول العالم بما فيها الصين ترفض منح قروض لجوبا ما لم يبدأ ضخ النفط نحو الشمال وذلك حتى تضمن سرعة السداد.. ذات المعضلة تواجه الحكومة السودانية.. حيث جمدت الصين الصرف من قرض كبير خصص لدعم مشاريع إستراتيجية في أطراف السودان.. الصين تضع في الاعتبار أن مصالحها الاقتصادية ستصاب بالضرر إن تشددت الخرطوم في فرض قيود على تصدير النفط الجنوبي. حسناً.. ما الذي يمنع الدولتين من تناول جرعة من العلاج هما في أمس الحاجة إليها.. عاطفة السياسة ربطت بين ملف اقتصادي مع آخر أمني سياسي.. دولة الجنوب تضع دائماً قضية أبيي المتنازع عليها عندما تصمم سياستها مع الخرطوم.. السودان يتحسس جنوبه الجديد في جبال النوبة والنيل الأزرق القصي حينما يتعامل مع جوبا. الآن جوبا تحت وطأة الجوع والخوف جعلت أبيي ملفاً قابلاً للتأجيل والتفاوض.. الحكومة السودانية تريد أولاً فض ارتباط حكومة الجنوب مع قطاع الشمال عسكرياً.. في تقديري أن هذه القضية تحمل صنوفاً من التعقيد.. من يحاول حل هذه الأزمة يبدو كمن يحمل عبوة ناسفة.. دعنا نحسن الظن ونتوقع قراراً ثائراً من الرئيس الفريق سلفاكير يطلب من الفرقتين التاسعة والعاشرة من الجيش الشعبي مغادرة أراضي الجنوب فوراً.. بالطبع أول من يتضرر من هذا القرار الارتجالي ستكون حكومة السودان التي عليها أن تتعامل مع جيوش من البشر ليس لها إلا أن تقاتل من أجل لقمة العيش. مسار الحل يبدأ بالسماح بتدفق النفط الذي يجعل الأرض غير قابلة للاشتعال برغبة الجميع.. الخطوة الثانية السماح بدور جنوبي في حل أزمة الخرطوم مع خصومها في قطاع الشمال.. مثل هذا الدور يحفظ ماء وجه حكومة الجنوب ويجعلها تتصرف بهدوء مع ضيف تكاليف استضافته عالية. بعض الساسة هنا وهنالك يغيب عليهم دور الاقتصاد وحكمة أن تحدث محاولة انقلابية في جوبا وتعقبها بعد شهرين أخرى في الخرطوم.