والبلاد تحتفل بالذكرى(57) من عيد الاستقلال،، الكثير من القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتداعياتها ظلت في حالة حراك مستمر مابين الحكومة والمعارضة من جانب، ومابين الحكومة ودولة الجنوب فيما يخص القضايا العالقة، والتي طال أمد المفاوضات فيها، بينما السودان في خضم كل هذه الأحداث هناك الضغط الدولي عليه فى كثير من قضايا الحريات والديمقراطية، والمشهد السياسي السوداني تدور فيه نزاعات مسلحة في أطرافه التي تخضع لسياسة الشد واشعال الحرائق الصغيرة، كل هذه الملفات الداخلية والخارجية وأوراقها الكثيرة، حملتها آخر لحظة في ديباجة أسئلة ضرورية ووضعتها بين يدي البروفيسور حسن مكي مدير جامعة افريقيا العالمية، والمفكر الإسلامي والمحلل السياسي مقلباً لهذه الأوراق في اجابات لا تنقصها القراءة العميقة لما وراء الأخبار والأحداث ...!! فالى مضابط الحوار في قراءة ما حمله عام 2012م وما سيحمله العام القادم للسودان : حدثنا عن المشهد السياسي السوداني والعام 2012م على خواتمه وقد حمل في أوراقه الكثير من الأحداث والتداعيات السياسية والاقتصادية وذكرى الاستقلال تسأل عن حصاد السنين؟ كمدخل لقراءة المشهد السياسي السوداني يمكن القول إن الذاكرة السياسية في السودان ضعيفة، وليس ذلك مطلقاً ًبطبيعة الحال، والسودان حدثت فيه أحداث كثيرة في العشرين سنة الماضية، ولكنها مضت دون رصد لاستيعاب التغيرات الكبيرة في بنية المجتمع.. بتنطيم السكن العشوائي وكهربة المدن.. وبهذا المناسبة الخرطوم قبل عشرين عاماً كان المستفيد فيها من الكهرباء لا يتجاوز 2 مليون، والآن الكهرباء امتدت الى أكثر من خمسة ملايين، كذلك ثورة الطرق، وثورة البترول، وثورة التعليم العالي، وثورة السدود، وتعلية الروصيروص، والآن حقول بترولية على الطريق، لكن بالمقابل هناك اخفاقات كبيرة.. خاصة في المشاريع القديمة التي تآكلت بنياتها، ولم يتم المحافظة عليها لتفي مطلوبات القرن الحادي والعشرين مثل مشروع الجزيرة، والمشاريع المروية في النيل الأبيض، والخطوط البحرية، والخطوط السودانية، والسكة الحديد، ولكن أكبر المشكلات التي ظلت تواجه السودان ويذكرنا بها دائماً الاستقلال هي عدم اكتمال المشروع السياسي السوداني، وهاهي مصر في سنتين انجزت دستورها بعد ثورتها، وأيضاً اثيوبيا من قبل جاءت بعدنا وفي عام 1994 م انجزت دستورها القائم الآن على الحكم، وها نحن على مشارف الذكرى( 57) من الاستقلال، ومازلنا نتحدث عن قضايا الهوية ونظام الحكم والديمقراطية، وواجهنا أكبر حدث وهو الانفصال وتداعيات الأزمة الاقتصادية بعده، حين هاجمت الحركة الشعبية حقل هلجيج وأوقفت النفط، وأثر ذلك على الاقتصاد السوداني، وهذه الأزمة الاقتصادية أصبحت ذات أبعاد سياسية واجتماعية، وأصبح رأس مال الإنقاذ السياسي يتناقص رغم النجاحات، حيث تناقص راس المال السياسي مع تناقص راس مال الاقتصادي مما أدى الى اشكالات، وأصبحت مطروحة من ضمن قضايا مستقبل النظام في ظل الحروب الموجودة.. على الأخص حرب جبال النوبة، وهي حرب- للأسف- يقودها سودانيون وهي دماء نازفة من أشجع رجال الجانبين من خلال ما ذكرت من تداعيات سياسية ألا ترى أن الإنقاذ من خلال استحواذها على السلطة هذه المدة قد شكلت حاجزاً لوضع أسس للحكم ودستور متفق عليه في السودان حتى يتخطى معضلة الحكم ؟ أنا لا أعتقد أنه استحواذ كامل للإنقاذيين للسلطة، فهناك أخرون مشاركون فيها بطريقة أو بأخرى، وكذلك اذكر هنا أن السفير البريطاني قال لماذا اعترض على هذه الحكومة، ونصف وزرائه يحملون الجنسية البريطانية... مقاطعاً.. لكن هذا لا ينفي كونهم سودانيين وانقاذيين وحملهم للجوازات البريطانية ربما للتكتيك السياسي؟ صحيح ما قلت.. وهو أيضاً تكتيك وهذا التكتيك يدل على مراجعات، ولكن يبدو أن التوسع المطلوب والشراكة السياسية وقضايا الحريات أكبر من السرعة التي تسير بها الإنقاذ.. فمطلوبات المرحلة ومطلوبات التحولات أكبر من الحركة، وهناك أيضاً أحداث كثيرة، أصبحت خارج دائرة سيطرة الحكومة للأسف الشديد... مقاطعاً.. ماهي الأحداث التي أصبحت خارج دائرة سيطرة الحكومة؟ أحداث كثيرة ظهرت على المشهد السياسي مثلاً ما حدث في نيالا وهجوم مليشيات مسلحة ومنظمة وخطفتها لمتهمين من داخل محكمة، ولم يحدث شيء، وكذلك ظهور السلفية الجهادية في الدندر، وإقامتها لمعسكر كامل، وما يحدث في كادقلي بجنوب كردفان التي أصبحت مستهدفة ومدينة طاردة، ومدينة عسكرية، فقط تدافع عن نفسها، بالإضافة الى تأثريات الأزمة الاقتصادية على المجتمع، وهذا مهم أيضاً وغير مسيطر عليها لشدة وطأة الأزمة الاقتصادية المتصاعدة، وإذا نظرنا الى عموم الناس نجد كيف هوحالهم، وخاصة الطبقة الوسطى، وهي مهمة لأنها التى تحافظ على كيان الدولة، والتى تنتج والتى تدير دولاب العمل.. فإذا انهارت انهارت الدولة، والطبقات الشعبية تعتمد عليها وهي حلقة الوصل مابينها والطبقات العليا في المجتمع، والتي تملك المال فهي قلب المجتمع الذى يعاني هذه الأيام من الأزمة الاقتصادية والامتحان الصعب لأنها فقدت 70% من مقدرتها الشرائية، وهي طبقة الموظفين المعلمين، المهندسين القضاة الأطباء الصحفيين المهنيين ضباط الشرطة، ضباط الجيش، وهي لا تستطيع أن تعيش وتوفر لقمته.. زمان هذه الطبقة الشخص فيها يستطيع أن يشتري عربة بالأقساط ويؤجر منزلاً، والرزق على الله.. لكن الآن هذه الثلاثة ميزات غير موجودة إلا من أسعفته الحكومة بمنزل أو سيارة... وحتى من أسعفته الحكومة بذلك، فإن مطلوبات الحياة التي تتطلب القدرة على التفكير فيها اشكالات.. فهذا كله الآن خارج السيطرة جزء منه أمني، وجزء اقتصادي، وجزء اجتماعي، وكل هذا يهدد السياسي كما قلت للانقاذ، والذي بدأ راس ماله فيه يتناقص..وأكبر تحدٍ يواجه الإنقاذ هذه المشكلات، ولكنني أرى أن أكبرها هو كيفية تلبية مطلوبات هذه الطبقة التي تعتبر قلب المجتمع .. إذن الى ماذا تعزي كل هذه التداعيات.. خاصة وأن السودان بعد أن وقع اتفاقية السلام 2005م تدفق البترول وانتعش الاقتصاد، وكانت الفرصة كبيرة للاستفادة من عائداته بنظرة اقتصادية مستقلبية.. الآن السودان بعد أن فقد البترول يعيد سياسته مع الذهب كيف ترى ذلك؟ اعتقد أن المرحلة السابقة حدثت فيها انجازات- كما قلت- ولكن أكرر أن المشروع السياسي كان قاصراً ولم يستطع قراءة أن جنوب السودان يميل الى انفصال، وعندما تم توقيع الاتفاقيات مع جنوب السودان للانفصال لم يتم تحديد القضايا الأساسيةمثل.. الحدود، ورسوم عبور البترول، والديون، وقسمة الثروة بين البلدين.. مما أدى الى البداية من الصفر بين البلدين، كأننا في حرابة من جديد... وكان الجلوس والمفاوضات مرة أخرى والتي تمخضت عن اتفاق التعاون المشترك باديس ابابا، وعلى المستوى الاقتصادي لا أعتقد أن ما حدث في السابق مع الموارد البترولية أن يتكرر مع عمليات استخراج الذهب الآن .. لكن على ذكر اتفاق التعاون المشترك والذي تفاءل به الجميع لم يُحرك فيه ساكن منذ توقيعه، إلا بقدر ما كيف ترى المفاوضات مابين السودان وجنوب السودان...؟ طبعاً هذه من الاشكالات الكبيرة التي ظلت بين البلدين وهي عدم الثقة بينهم رغم أنهم كانوا في شراكة سياسية كبيرة منذ توقيع اتفاقية السلام الشامل.. لكن تلك الشراكة لم تجعل من العلاقة جيدة، فظلت في مربع عدم الثقة.. لكن أيضاً أقول إن الطرف الآخر- وأقصد حكومة جنوب السودان- تلعب على هدر الوقت لأنها تريد أن ترى قبر هذه الحكومة.. بمعنى أنها تريدها داخل القبر بدون أن يصلي عليها...والحكومة تريد أن ترد الصاع، وتدافع عن نسيجها فيما يتعلق بقضية قطاع الشمال الذي تأويه وتموله حكومة جنوب السودان، ولذلك اعتقد أن هذه المسألة تحتاج الى صبر ومصابرة وتقديم تنازلات كبيرة وعميقة من الجانبين .. على ذكر قطاع الشمال يذكرنا هذا بالسؤال عن الحركات المسلحة والجبهة الثورية ودارفور، وهذا المثلث القلق والملتهب بالإضافة الى أثر اتفاق الدوحة وديناميكية السلطة الانتقالية في الانتقال الى مربع التنمية والاستقرار؟ حقيقة «مصدوم» من بالتلكؤ في قضية دارفور، وهذا التلكؤ الذي أقصده ليس في الحل السياسي، لأنني أعتقد أن اتفاق الدوحة جاء ملبياً لكافة القضايا، وبحضور كل أهل المصلحة .. لكن ما أقصده هو الحل التنموي المصاحب للحل السياسي، والذي هو أساس المشكلة، وأنا لا أستطيع أن أفهم لماذا تأخر هذا الحل... وهنا أذكر أن طريق الإنقاذ الغربي أحد أكبر الطرق بدارفور لم ينفذ حتى الآن، وهو طريق حيوي لو نفذ لحل مشاكل كثيرة في التنمية، واتذكر بأنني عندما كنت مسئولاً عن الطلاب لقطاع دارفور في الحركة الإسلامية في عام 1978م سرت في طريق نيالا والفاشر وقطعت جزءاً منه على الأقدام، ومنذ أيام دريج ومحاولات قيام هذا الطريق ولأكثر من 34 عاماً، والطريق مازال في نفس المكان الذي أعرفه عنه، وهذا مثير للتساؤل بصورة مزعجة ومخيفة، رغم أن شبكة الطرق غطت كل السودان، الآن فلقد وصلنا براً الى مصر وهو الطريق الذي سيفتتح قريباً بين وادي حلفا ونقطة على الحدود المصرية، وأيضاً براً الى اديس ابابا ونصل الى الرنك .. وكذلك مشكلة المياه في درافور والعطش المستمر، فدارفور تحتاج الى ما لايقل من 5 آلاف بئر جديدة، وهذا المشروع كان يجب أن يتوفر عليه المانحون وأن تكون هناك وثيقة شرف بالسماح بسريان التنمية، باعتبار أن التنمية للإنسان سواء كان متمرداً أو مواطناً عادياً لا ذنب له في الاقليم الملتهب، ولذلك ارجو يوماً ما أن تجلس دارفور كما يقول المثل على قوز أخضر .. ... مقاطعاً.... لكنك كمحلل سياسي لماذا حدث كل هذا التلكؤ في التنمية... هل هو من الحكومة أم من السلطة الاقليمية أم من المانحين؟ اعتقد أن الجهات الثلاث فهي معنية تماماً بالأمر، وأنا جلست مع المانحين، وقلت لهم لماذا تدفعوا أكثر من مليار دولار لقوات اليونميد التي يطاردها الأطفال في كل مكان، ولو أنكم دفعتم هذه المليارات من الدولارات في التنمية بدارفور لتغيير وجهها الآن باستكمال الطرق والبنيات التحتية والخدمات، وحدث الاستقرار الذي بدوره يحدث السلام وعدم الاحتراب، وكذلك الأمر نفسه مع الحكومة السودانية، لو ركزتم في دفع الأموال على التنمية، وأيضاً الحركات المسلحة يجب أن تفهم أن تنفيذ هذه المشاريع يحقق أحد مطالبها هو التنمية، وعليها أن لا توقف ذلك بالاعتداء على المشاريع وإيقافها، وهذا كله يكون في مصلحة أبناء دارفور، والذين فقدوا الكثير من فرص التعليم وتكون لهم فرص أكبر للحياة .. ماذا عن الجبهة الثورية التي تكونت بعد الانفصال من قطاع الشمال، وحركات دارفور المسلحة وتهديدها لحدود السودان جهة جنوب كردفان ودارفور؟ هي محاولة وامتداد لمشروع اسمرا، لفكرة تلك القوى التقليدية حينها من حزب الأمة والاتحادي وبعض الأحزاب الأخرى، الآن في الجبهة الثورية نجد دخول المؤتمر الشعبي، وحركات دارفور وقطاع الشمال، ولكن أرى أن هناك بيات، فالمعارضة في ذات بياتها والحكومة في ذات سكونها ولا جديد .. الحركة الإسلامية في السودان وعودتها بعد مؤتمرها الثامن والحراك السياسي الذي حدث فيها وأصوات التغيير التي علت وتفاصيل ما حدث بعدها.. كيف تقرأ ذلك؟ اعتقد أن المؤتمر حرك أموراً كثيرة، واعتقد أنه كان ناجحاً- والنجاح درجات- وفي اعتقادي أنه نجح بنسبة فوق الخمسين في المائة في تحقيق أغراضه، وكذلك ما كان يمكن الوصول الى شخص أنسب من الأخ الزبير محمد الحسن لقيادة الحركة الإسلامية في هذه الفاصلة الزمنية... لماذا هو الأنسب وبأي مقياس إذا كان هناك منافسون آخرون لهم وأن عملية الاختيار تم الدفع بها الى مجلس الشورى للجرح والتعديل.. هل لأنه وسطي؟ بعدة مقاييس والعملية كلها تمت بشورى وانتخاب من المؤتمر الى الشورى، ولا أقول أن اختياره جاء لأنه وسطي وسطي، ولكن أيضاً بعملية شورية جرت في المجلس الشوري، والأخ الزبير هو الذي يعرف خفايا وخبايا وموصول بالحركة الإسلامية منذ كان طالباً في المرحلة الثانوية، وليس له عداء مع اية جهة ما، ولم يعرف عنه أي طموح أو تطلع الى هذا المنصب، وحُمل حملًا الى هذه المسئولية، ومن يحمل حملاً على وظيفة يجد العون من الله سبحانه وتعالى، ومن الآخرين.. وأعتقد أنه سوف يواجه بتحديات كبيرة جداً، ورغم وجود مجلس قيادي إلا أنه سوف يجد أن الدولة أصبحت بحركة المجتمع غير قادرة على السيطرة، وهو كذلك جاء من خارج الأمانة العامة للحركة الإسلامية، ولذلك يحتاج الى مدة أكثر من ستة أشهر ليرتب أوضاعه ..