هل أصبح د. بلال عثمان وزير الثقافة والإعلام يوافق ويبصم بالعشرة على كل أطروحات محمد حاتم سليمان مدير التلفزيون القومي دون دراسات متأنية تكشف مواضع الخلل فيها لتحد منها قبل أن تقع كوارثها الوخيمة ليس على الإعلام فحسب، بل على كل أبناء هذا الشعب الصابر المغلوب على أمره.. حقيقة أنتابني خوف ورعب شديد على بلادنا الحبيبة لو وافق مجلس الوزراء على تسرع محمد حاتم في هذه الاتفاقية والتي تشكل أذى جسيماً لكل مواطن سوداني، فقد قدم محمد حاتم الاتفاقية التي يعقد التوقيع عليها بين وزارة الثقافة والإعلام وشركة استارتايمز «Star Times» الصينية لمجلس الوزراء دون تنوير كافٍ وشافٍ عنها فلم يلخصها لهم بأنها تبيع الأجواء والفضاء السوداني لهذه الشركة الصينية، واكتفى يرافقه السيد وزير الإعلام بالقول إن مسودة الاتفاقية تعمل على إنشاء شبكتين هما شبكة البث الرقمي الأرضي للتلفزيون لخدمات الباقة الأساسية «Dtt» وشبكة خدمات التلفزيون مدفوع الأجر «Paytv» والتلفزيون المتنقل «mobile Tv» دون توضيح بقية بنود الاتفاقية. بدأت هذه القصة قبل فترة عبر تدخل محمد حاتم في عمل الهيئة العامة السودانية للبث الإذاعي والتلفزيوني التي تتبع لوزارة الإعلام وشكل هيكلاً جديداً ضم إدارة تحت مسمى هيئة الإرسال ومنح نفسه بذلك سلطة البث دون وجه حق وهو عمل فوضوي ضد القانون الذي يقول إن البث هو حصري على هيئة البث السودانية، وتعدى محمد حاتم على صلاحياتها بذلك، ووزير الإعلام يتفرج ولا يسأل محمد حاتم عن ذلك ويسافر معه إلى الصين ويوقع مذكرة تفاهم مع الشركة الصينية في أبريل الماضي مع العلم بأن هذا الإجراء خارج اختصاص هيئة التلفزيون، أقصد محمد حاتم لتعلقها بمشاريع البث، وتطورت بعد ذلك هذه المذكرة لتصبح مشروع اتفاق وتم طرحها للنقاش تحت مظلة وزارة الإعلام في لجنة ترأسها الوزير بعضوية الهيئة العامة السودانية للبث الإذاعي والتلفزيوني والهيئة القومية للاتصالات ووزارة المالية ووزارة العدل وجهاز الأمن والمخابرات الوطني وبعض الفنيين وهيئة التلفزيون، ولكن هذه اللجنة لم تتوصل لاتفاق قاطع حول هذه الاتفاقية ورفضتها هيئة البث بحكم ولايتها على أمر البث بالبلاد، ولأنه قطاع إستراتيجي ذو علاقة بأمن وسيادة البلاد. حقيقة كنت استمع لبرنامج مؤتمر إذاعي الذي استضاف وزير الإعلام ومحمد حاتم سليمان اللذين تحدثا عن هذه الاتفاقية ووصفاها بالمفاجأة للشعب السوداني، ولم أدرِ بأنها «الطامة» الكبرى لأبناء هذا الشعب المغلوب إلا بعد أن وقعت بين يديّ مذكرة رفض الاتفاقية من الهيئة العامة السودانية للبث الإذاعي والتلفزيوني وضحت فيها كل المخاطر والكوارث المترتبة عليها إذا تم توقيعها، وتساءلت على الفور عن من هو العبقري مفكر هذه الاتفاقية.. وهل أصبح الهوان الإداري يصل لهذه المراحل الغريبة والمحيرة.. وهل تطور الإعلام في السودان يحتاج لشركة أجنبية للاستثمار فيه.. وحفاظاً على السيادة الوطنية لأجهزة الإعلام ومرسلاتها والبنيات التحتية لأجهزة البث وسيادة الهيئات المتخصصة المناط بها الحفاظ على المال العام والقيم بكل شفافية ومسؤولية مهنية.. أفتح اليوم هذا الملف الخطير الذي سوف أواصل فيه لفترة طويلة حتى يتدخل المسؤولون بالدولة لوقف هذا الاتفاق التجاري «المعيب» والذي اتخذ من التحول التماثلي إلى الرقمي مدخلاً ليقدم من خلاله مشروعاً استثمارياً لا صلة له بتطور الإعلام أو بالانتقال لمتطلبات الرقمنة المزعومة إلا بما يلبي احتياجات الشركة التجارية المنفذة للمشروعات المطروحة في الاتفاق والمحسوبة مادياً لصالح الشركة الصينية، وهو أسوأ اتفاق لعمل تجاري يدفع ثمنه المواطن البسيط وتحمي الدولة والقوانين اتفاقيات الشركات المستثمرة في مجال الإعلام بحصرية تامة. فهذه الاتفاقية التي بادر بها محمد حاتم سليمان وتبنتها وزارة الثقافة والإعلام وشركة استار تايمز الصينية تفضي بقرض تمويلي من الصين قيمته «5.473» مليون دولار باسم التحول للبث الرقمي، وهو مشروع لا علاقة له برقمنة البث بأبعاده المهنية، ووضحت الهيئة العامة السودانية للبث الإذاعي والتلفزيوني كل عيوبه واتضح أنه اتفاق استثماري تجاري من الدرجة الأولى، فهو يعاني من الخلل في عدة جوانب أولها: ٭ الناحية الفنية:- ضمن البنود الرئيسية المقدمة من شركة استار تايمز الصينية في الاتفاقية بند يختص بتوزيع خدمات تلفزيونية على الإرسال الأرضي الرقمي «DTTV»، فهذا البند لا صلة له بالخطة القومية للبلاد لتحول الإرسال من تماثلي إلى رقمي وإنما هو مشروع تجاري استثماري يبث في مجال الإعلام ذو عائد مادي للشركة لتنفيذه فقط بعد أن منحها الاتفاق حقوقاً سيادية ومادية مثيرة للدهشة تتمثل في الاستحواذ على البنية التحتية التي تخص الهيئة العامة السودانية للبث الإذاعي والتلفزيوني صاحبة الحقوق التي تود هذه الاتفاقية سلبها رغم أنها الجهة المسؤولة عن التنظيم والتشغيل للبث التلفزيوني في السودان بموجب القانون. والأهم من كل ذلك أن مشروع التوزيع للخدمات التلفزيونية الواردة في الاتفاقية سبق وأن نفذ مشروعاً مماثلاً لها في العام 2007 باسم شركة الخرطوم للتوزيع الرقمي على معيار «DVB.T» في نطاق «MMDS» لخمسين قناة تلفزيونية.. فلماذا لا يتم الرجوع إليه الآن بدلاً من إعادته بقرض أجنبي خصوصاً وأن كل أجهزة المشروع موجودة. الناحية القانونية:- الهيئة العامة للبث الإذاعي والتلفزيوني تم تأسيسها عام 2009م ضمن قانون الهيئات العامة صادر من مجلس الوزراء وموقع من السيد رئيس الجمهورية المشير عمر حسن أحمد البشير، وأعطى بموجبه الهيئة حق الإدارة والإنشاء والاستجلاب والتشغيل والتعاقد من داخل وخارج السودان في مجال البث الإذاعي والتلفزيوني، بمعنى أن هذه الاتفاقية بين وزارة الثقافة والإعلام وشركة استار تايمز الصينية تتعارض مع أمر تأسيس هيئة البث وبالتالي لا يجوز انتقاص أو الغاء ما ورد في أمر تأسيسها إلا بواسطة مجلس الوزراء أو السيد رئيس الجمهورية. ٭ الناحية الاقتصادية والعمالية:- هناك بند في الاتفاقية يؤكد رغبة الشركة الصينية في عدم الاستفادة من الكوادر العاملة بهيئة البث، بمعنى تشريد العاملين بالهيئة العامة السودانية للبث الإذاعي والتلفزيوني ومنح الشركة الصينية حصرية استخدام كل البنيات التحتية لهيئة البث.. فيا سادة كيف يتم اتفاق مع شركة في مجال استثماري تجاري يمول بواسطة قرض بضمان حكومي وتمنح خلاله الشركة الصينية تسهيلات بالإعفاءات الضريبية والجمركية وتحول الأرباح بالعملة الصعبة بجانب استخدامها للبنيات التحتية لهيئة البث ومنحها حصرية التشغيل لمدة «30» عاماً مع تشريد العاملين.. أولم يكتفِ السيد محمد حاتم بتشريد العاملين في التلفزيون بعد المجزرة الشهيرة قبل شهور عدة ويود الآن «حجاج» الفضائيات السودانية تشريد العاملين بهيئة البث بعد أن أدمن الفشل في قيادة التلفزيون القومي.. فما جدوى هذا القرض يا سادة.. وهل الدولة ملزمة بطلب قروض لتمويل مشروعات شركات تجارية. ٭ الاتفاقية خطر على الأمن الاجتماعي والأخلاقي:- تفاصيل بنود الاتفاقية لم تتطرق للتفاصيل الخاصة بمحتوى هذه القنوات من حيث التأثير الأخلاقي والثقافي مما قد يتيح للشركة بث أي مادة غير لائقة بقرض الربح مما يتعارض مع المشروع الحضاري للدولة خاصة وأن مدى الحصرية «30» عاماً يتيح إنتاج جيل سوداني مشبع بثقافات واردة مؤثرة في شكل الهوية في ظل انعدام آلية الرقابة على المحتوى- ما هذا الجهل- فكيف تتركز كل بنود الاتفاق في جوانب اقتصادية فقط وتهمل الجوانب الأخلاقية- قمة الهوان بهذا الشعب- بالإضافة إلى أن الاتفاقية أغفلت تماماً الإجراءات المالية الخاصة بلائحة الشراء والتعاقد من الخارج لأجهزة المشروع مع العلم بأن قيمة هذه الأجهزة ضمن قيمة القرض باعتبار أن الاتفاق يتم مع الشركة حصرياً، بينما أبقت على حقوق الشركة في مجال الاستثمار الخاص بإعفاء الضرائب والجمارك وتحويل الأرباح. ٭ سيناريو المرحلة الأولى من المشروع الاستثماري في جانبه التجاري:- 1/ تستثمر الشركة الصينية مبلغ «20» مليون دولار في الشبكة. 2/ يستثمر السودان مبلغ «60» مليون دولار لشراء مليون جهاز استقبال مجاناً للمشتركين المفترضين. 3/ رسوم الاشتراك الشهري في الخدمة للمواطنين «5» دولارات تذهب أربعة منها للشركة الصينية ودولار واحد للحكومة السودانية، مع العلم بأن حكومة السودان تمتلك كافة الحقوق الأخرى من بنيات تحتية ومنابر وأبراج ونظم طاقة كهربائية وحقوق استخدام الطيف الترددي وحقوق البث، ولكن بعد كل ذلك جعلت الشركة الصينية الميزات التفضيلية شرطاً لإنفاذ الاتفاقية والتي تتمثل في إعفاءات جمركية من ضرائب على القيمة المضافة ورسوم أخرى وتوفير عملات حرة لنقلها للخارج وأراضي المشروع، بمعنى أن الشركة الصينية تريد الاستفادة من كل هذه الحقوق دون مقابل، فمثلاً إذا تحقق اشتراك مليون شخص في المرحلة الأولى للمشروع تكون الشركة الصينية حققت «84» مليون دولار وجنت صافي أرباح «28» مليون دولار، بينما يكون نصيب الجانب السوداني فقط «12» مليون دولار يذهب لسداد القرض. ٭٭ ويبقى هنا السؤال الملحاح.. هل باستطاعة الدولة شراء جهاز تلفزيون جديد لكل أسرة حسب شروط الاتفاقية بمبلغ «60» دولاراً.. وإذا كان باستطاعتها ذلك، أليس أولى صرف هذه الأموال إن وجدت على الخدمات المهمة التي يحتاجها المواطن البسيط من صحة وتعليم ومعيشة وغيرها. ٭٭ هذه اتفاقية وهمية ومريبة تدخل السودان في مأزق اقتصادي وأمني وثقافي واجتماعي كبير يهدد أمن المجتمع وسيادة الدولة، لن يجني منها السودان سوى الخراب لأنها لا تتفق في بنودها مع الجوانب القانونية والأخلاقية والمالية.. ويبقى السؤال: لماذا كل هذا الدلال الزائد المليء بالشبهات من جراء التسهيلات الكبيرة التي حظيت بها الشركة الصينية وهي ترفض وتقبل على مزاجها في بنود الاتفاقية وتفصل فيها كما تشاء.. فما المقابل لذلك.. وعن أي خدمة رقمية جديدة يحدثونا ومشاهدة القنوات أصبحت ذات فاتورة مدفوعة تسدد مثل الكهرباء يدفعها الشعب السوداني.. يا محمد حاتم نلقاها منك ولا من ضنك المعيشة.. وهل تستطيع كل أسرة سودانية دفع مبلغ «5» دولارات شهرياً.. وماذا حدث في اللجنة التي شكلها السيد النائب الأول لرئيس الجمهورية لاتخاذ القرار المناسب بشأن هذه الاتفاقية؟ - نواصل-