قبل أعوام ربما قاربت العشرة ذهبتُ لإجراء تحقيق صحفي صغير حاولت من خلاله تتبع ما سميناه ونحن نضع الخطة للتحقيق (الآثار السلبية التي يتعرض لها العاملين في مجال الأشعة) أو شئ قريب من هذا. وكانت المفاجأة في رد الفعل الذي قابلني به أحد العاملين في هذا المجال لقد قال لي بحسم «شوف ليك موضوع أحسن وأقوى من ده»!! يا ابني أهل هذا المجال هم أقدر على معالجة أمورهم!! فتشوا عن قضايا الناس الحقيقية. اذهب وعاين الحالة الموجودة في حوادث الخرطوم واكتب على لساني!! إن هذه الطوارئ يحتاجها الجميع في لحظة من اللحظات. ويتساوى عند بابها الغني والفقير!! والمسؤول والمواطن العادي!! وذكر لي واقعة تفجيرات الأكروبول التي شهدتها الخرطوم في الثمانينيات وقال لي !! نقالتنا «الوسخانة» دي ساهمت في إنقاذ حياة دبلوماسي غربي الذي اصيب في تلك الأحداث. جمعت أوراقي وخرجت ولا أعرف إذا كنت قد ذهبت لاستطلاع الأحوال في حوادث الخرطوم كمال أمرني ذاك الطبيب أم لم اذهب.. ولكنني أعرف أن هذه النظرة الوطنية قد نبهتني لأهمية ودور الصحافة في النظر للقضايا الكلية التي يحتاجها الناس والمجتمع. وربما تكون هذه من الدوافع التي جعلتني اتجه بكلياتي نحو قضايا الناس الحياتية سواء في الاقتصاد أو في مجال الخدمات ومنها تلبية هذه الدعوة التي جاءتني من وزارة الصحة أمس لحضور الاحتفال الكبير الذي أقامته بتدشين قبول 43 من أطباء تخصص طب الطوارئ كأول دفعة في هذا التخصص يقع على عاتقها وضع حد لكثير من الآلام «والبهدلة» التي نراها في أقسام ومستشفيات الحوادث خصوصاً في أنصاص الليالي وربما يتغير للأبد مفهوم الناس نحو الخدمة المقدمة في هذه المراكز والتي ينظرون إليها بأنها مجرد «عدي من وشك» و«شوية مسكنات لمّا الواطة تصبح ونقابل الأخصائى»!! والمسألة غير ذلك تماماً!! فالطوارئ تملك «الساعة الذهبية» والتي تساهم كثيراً في إنقاذ حياة المريض وتفادي الكثير من الإشكالات وهي تعني خدمة طبية نوعية ومتكاملة سواء كان ذلك من حيث الكادر المؤهل أو الأجهزة المستخدمة أو الخدمة الطبية المقدمة!! لقد أشدنا في هذه المساحة بالنقلة النوعية والكبيرة التي حدثت في مستشفياتنا خصوصاً في أقسام الطوارئ وبعد هذه الخطوة التي تمت أمس سنقترب أكثر بإذن الله من المستوى الذي تحدث به د. كمال عبد القادر حيث قال إنه اندهش عندما ذهب إلى لندن لأول مرة عندما وجد أطباء يهرولون (ببالطهاتهم) البيضاء وعندما سأل عن ذلك أفادوه بأن هؤلاء أطباء الطوارئ في حالة إسعاف مريض!! نعم سيركض أطباء الطوارئ عندنا بذات الطريقة ولكن ماذا سيفعلون عندما يسمعون المغني يقول : الجري ده ما حقي حقي المشنقة والمدفع أبثكلي!!!