وفقاً لوكالة (رويترز) فإن حكومة جنوب السودان تعتزم إطلاق برنامج ترحيل طارئ أسمته (عد للوطن لتختار) ويهدف البرنامج إلي إعادة مليون ونصف المليون نازح من أبناء الجنوب يعيشون بالشمال وذلك من أجل مشاركتهم في الإدلاء بأصواتهم في الاستفتاء القادم . وحسب رويترز فإن حكومة الجنوب رصدت ميزانية قدرها (60) مليون جنيه سوداني ، ما يعادل (25) مليون دولار أمريكي لتمويل هذا البرنامج ، وأن وزارة الشئون الإنسانية وإدارة الكوارث بحكومة الجنوب قالت إنها قبلت تحدي تنظيم هذا البرنامج لنقل النازحين من أي مكان قد يوجدون فيه في ولايات الشمال . هذا النشاط المفاجئ لحكومة الجنوب في هذا الاتجاه لا يمكن تفسيره إلا في سياق السعي المحموم منها سباقاً مع الزمن لترجيح كفة الانفصال ، ويشير أيضاً إلي عدم المسئولية الذي (تتمتع) به هذه الحكومة ، فالمبلغ المرصود لعملية الترحيل هذه كان يمكن أن تتم المساهمة به في تحسين أوضاع النازحين عبر برنامج يتم الإعداد له بالتنسيق مع الحكومة المركزية والجهات الدولية ذات الصلة لانتشال هذه الفئة من الأوضاع المزرية التي يعيشون فيها بسبب النزوح . ماذا سيحدث لو تم تنظيم مراكز للاستفتاء لهؤلاء النازحين وغيرهم من أبناء الجنوب بالشمال ؟ فالاستفتاء وحسب نص اتفاق السلام الشمال (يتم تنظيمه بصورة مشتركة بواسطة حكومة السودان والحركة الشعبية وتحت رقابة دولية ) . ففي ظل وجود رقابة دولية تصبح مخاوف ومحاذير حكومة الجنوب من حدوث تزوير أو تلاعب أو ما شابه ذلك مخاوف غير مبررة البتة ، خاصة وأن الجهات الدولية المراقبة أياً كانت لن تكون منحازة للشمال بأي حال من الأحوال . ما الذي يدفع حكومة الجنوب لتكلف كل هذه المشقة وهذا العناء وتجشيم النازحين معاناة هذا الانتقال القسري في زمن ضيق و محدود إلي الجنوب لو لا وجود مصلحة معينة لها من وراء ذلك . نقول إن المخاوف الحقيقية لحكومة الجنوب ليست الخشية من حدوث تزوير أو تلاعب في نتائج الاستفتاء ، وإنما خوفها الحقيقي هو أن يختار هؤلاء النازحون خيار الوحدة ، وهو ما لا تريده ولا ترغب فيه ، والحل الوحيد لتجنب ذلك هو نقلهم إلي الجنوب وبالتالي تضمن حكومة الحركة الشعبية أن يصوتوا مذعنين لخيار الانفصال بفضل القهر والبطش وسياسة (المسك من الإيد البتوجع) التي تمارسها في حق أهل الجنوب الذين أصبحت رقابهم تحت رحمة هذه الحكومة التي تحكم بالحديد والنار، منذ أن أصبح الجنوب (سلماً) لها وأرضاً حكراً عليها تفعل فيه وبه وبمن فيه ما تشاء . بالمنطق البسيط فإن النازحين الذين تركوا ديارهم في الجنوب وجاءوا إلي الشمال ينشدون الأمن والاستقرار لا يمكن أن يصوتوا للانفصال لتتزعزع أوضاعهم مرة أخري ، ولو كانوا يريدون العودة إلي الجنوب لفعلوا ذلك بعيد توقيع اتفاق السلام قبل خمسة أعوام ، ولكنهم يعرفون إن هم فعلوا ذلك كانوا كمن يستجير من الرمضاء بالنار ، لذلك آثروا البقاء في الشمال علي ما هم عليه من أوضاع غير مريحة وذلك لا يدل إلا علي رغبتهم في الوحدة . وتنسى حكومة الجنوب أو هي تتناسى في غمرة اندفاعها لإنفاذ هذا البرنامج الخبيث أن هذا العدد من النازحين لو قُدر لها النجاح في نقله إلي الجنوب سيؤزم الأوضاع الإنسانية المتأزمة أصلاً هناك ، وستجد نفسها بعد ذهاب السكرة وعودة الفكرة وبعد انجلاء غبار الاستفتاء في موقف لا تحسد عليه خاصة إذا تحقق هدفها وجاءت النتيجة علي هواها حينها لن تجد تلك الشماعة الجاهزة التي كانت تعلق عليها إخفاقاتها الكثيرة بل ستجد نفسها أمام واقع ماثل شديد البؤس والقتامة عليها التعامل معه وفق مسئوليتها كحكومة عليها واجب حل أزماتها بنفسها في ظل أوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية متردية . باب الأمل ما يزال مشرعاً في أن تثوب الحركة إلي رشدها وأن يراجع العقلاء فيها خطواتهم ويحتكموا إلي صوت العقل والمسئولية قبل وقوع الكارثة .