بين الافلاك والرقائق هذه الحياة أمرها عجب يا صاح.. وأمر الإنسان فيها أعجب.. يولد ويترعرع.. ولا يستشار في يوم مولده وقدومه إليها.. ثم يؤخذ إلى الدار الآخرة ويغادرها.. فلا يؤخذ رأيه ايضاً.. فهو يغشى الحياة كما يقدر له ثم ينصرف عنها كما هو مقدر.. وكما قال أستاذنا شاعر الكتيبة رحمه الله النور إبراهيم.. وكان ناظراً للمؤتمر الثانوية يومئذٍ وكنت تلميذاً قال مرتجلاً هذه الأبيات يحيينا نحن التلاميذ الجدد: ان الحياة سفينةü تجري بأنواء القدر الخط فيها دفة ü والراكبون على سفر الراحل حسن أبشر كنت أعرفه المعرفة العامة، وعن بعد أقرأ له في الصحف والمجلات المحلية والإقليمية مثل مجلة (الدوحة) القطرية وأقرأ عنه عندما يكتب الاستاذ الطيب صالح خواطر إيجابية عنه. واسمع عنه من زمان ايام كان ملحقاً ثقافياً في سفارة السودان في أمريكا.. يحدثني عنه أخي وإبن خالي الأستاذ عثمان حسن أحمد ذلك المثقف الخلوق .. والذي أمتعنا عندما جمع مواريث أستاذه د. أحمد الطيب في «أصوات وحناجر». واتذكر ذلك الجيل الخلوق من أبناء السودان المسكونين بالقراءة والحرف.. وجاء حسن أخيراً، واستقر بالسودان، وزاول نشاطاته في مركزه والتقينا كما يقولون وجهاً لوجه في مناسبات شتى ولاحظت عمق تفكيره فيما يقول، والكثير من النظرات الإيجابية الناقدة. وهاتفني مرةً يعلق على برنامج إذاعي هو «أفلاك» والذي تقدمه الاستاذة الشاعرة روضة الحاج مع شخصي الضعيف من إذاعة أم درمان عصر كل جمعة وقال لي بصراحته المعهودة.. تعرفني اني لا اجامل احداً على حساب القيم.. ولكن شدني هذا البرنامج بأطروحاته الفكرية السلسة وقال لي وهو يضحك «أنا يا باشمهندس عارفك مهندس وشاعر وأعلم ان بنتي روضة شاعرة لكن ما كنت أظن انو عندكم دين قدر دا» وقد هاتف بنته روضة وأخبرها بذلك. فانتبهت الى الرجل ذلك اني اعلم انه ناقد حصيف ودقيق المعايير.. فحمدت الله اني خرجت من إمتحان صعب. ثم تواصلت العلاقة وتطورت فدعوته إلى «منتدى الرقائق» الذي يعقد في داري كل أسبوعين فلبى الدعوة، وواظب على الحضور، وكان في كل جلسة يأخذ فرصته في التعقيب والتصويب، وكانت تصويباته جادةً انتفع بها المجلس.. واذكر من كرمه واريحيته لا يدخل المجلس إلا وهو يحمل كمية من طيبات الرزق على عادة السودانيين.. وزادت العلاقة اضاءة بفضل صديق الطرفين الأستاذ الخلوق الدكتور «ود الريح». ومضت العلاقات طيبة تزداد متانة مع الايام رغم حداثة سنها ولكنها ستظل محفورة في الذاكرة لانها علاقة شقيقين قامت على إطار الفكر والتأمل. وجمعتني بالرجل مناسبات شتى بعد ذلك فرأيت فيه الرجل الذي يحرص على إستقلاليته ولونه. جمعنا لقاء حاشد للمثقفين بالسيد رئيس الجمهورية في قاعة الصداقة.. وقد اختاره المثقفون ليتكلم نيابة عنهم تلك الليلة وحبسنا أنفاسنا فاذا بالرجل يتجلى. فتكلم في أناةٍ وفي فكرٍ ثاقب.. ومارس نقداً مسؤولاً.. أشاد وعاتب وشخص أمراض الثقافة ومن الحلول فيما يرى ويعتقد كل ذلك في أدبٍ جم .. ومفردات مقنعة.. فنال اعجاب الحاضرين والتقينا مرة ايضاً في ندوة تلفزيونية ومعنا البروف ود الريح وكان موضوعها ماذا بعد الاستفتاء واخترنا لها عنوان« ولا تَهِنوا» حرصاً على التفاؤل والمضي قدماً في سبيل العمل الوطني بحيث لا يكون الانفصال هونهاية التاريخ وإنما هي محطةٌ من محطات العمل الوطني. وتمضي الأيام.. وعلمت بمرضه وسفره إلى القاهرة.. ثم فوجئت برحيله عن دنيانا الاسبوع الماضي.. لقد جاءنا محمولاً في صندوق.. خَبأَ ذلك الضياء وتلك الشعلة ولكل أجل كتاب. اللهم ان عبدك حسن قد قدم عليك.. وحل ضيفاً في ساحتك.. وأنت أرحم الراحمين.. اللهم أكرمه بما تكرم به خلص عبادك واوليائك.. إنك نعم المولى ونعم النصير.ة أخوك المكلوم.. المهندس