مما نقرأه على المحال.. وأقفية العربات.. وحتى الحمامات والحوائط.. عبارات يكتبها أصحابها أو للذكرى والتاريخ أو لتأكيد الذات أو لفش الغبينة.. أو لأسباب أخرى.. أحد أصحاب الأكشاك الحديدية الصغيرة يبيع الرصيد وبعض السلع الخفيفة سجائر.. لبان.. حلوى.. مناديل ورق.. كتب على جنبة كشكه عبارة كبيرة واضحة «قبلان بي عذابي وراضي».. انتبهت إلى العبارة صباح أمس سألته عنها.. لماذا كتبتها.. فاستغرب سؤالي وسألني: يعني ما كان أكتبا؟.. قلت له: لأ.. أقصد من الذي عذبك هل فتاة؟.. قال: لا عذبني الزمن.. عذبتني الظروف.. لم يسترسل.. إذ حضرت فتاة لتبتاع رصيداً فانصرف عني إليها فتركته وسرحت مع العبارة.. ففيها استسلام كبير بالوضع المفروض على الرجل.. والذين يقبلون بالعذاب ويرضون به لعلهم من الماسوشيين وهي حالة يتلذذ فيها الإنسان «غير السوي طبعاً بتعذيب نفسه».. وعكسها السادية التي يتلذذ فيها بتعذيب الآخرين.. تساءلت هل هذا الرجل وحده الذي يقبل ذلك أم هي حالة عامة.. وكلنا أصبحنا «قبلانين بي عذابنا وراضين».. هذه الحالة من القبول تحتاج إلى تحليل.. ولماذا نقبل بالعذاب ونرضى به.. وأي عذاب يا ترى.. إذا عممنا حالة هذا المواطن فسنجد أن هنالك أشكالاً من القبول والرضا بالعذاب.. فلنبدأ بالعذاب الاقتصادي الذي نرضى به.. ارتفاع أسعار السلع اليومي وربما على رأس الساعة ونحن نشتري قابلين بالعذاب.. يعني نعمل شنو؟.. برضو نمشي نشتري كهرباء يشيلوا مننا حق الموية بي ياتو قانون ما معروف.. برضو ندفع قابلين بالعذاب وراضين. برضو نحنا راضين وقبلانين بالعذاب الاجتماعي.. إذا كنت داير تكمل نص دينك وتتزوج ما تقدر إلا تدفع كمية من الأموال الطائلة.. حفلات.. وإيجار صالات وما تعرف شنو.. إذا لقيت قروش لازم تكون قبلان وراضي إنك تدفعها صاغراً مقابل مراسيم الزواج.. وإذا ما لقيت قروش تعيش عازب.. وتقبل وترضى وبعد ده لازم تكون مؤدباً تغض البصر.. ولازم تكون مهذباً ما تشوف الحاجات «الوحشة» في القنوات.. وده كلو لازم يكون بي قبول ورضى.. وهنالك العذاب في مجال الخدمات.. لازم تكون قابل وراضى عشان ما ينفجر فيك شريان.. تدفع حق النفايات والعربية ما تجي تشيلها.. تشتري الكهرباء مقدماً وبرضو تقطع بدون ينبهوك أو يخطروك عجبك عجبك.. ما عجبك البحر قريب.. البطء في تصليح الشوارع عندكم شارع المعونة سنين ودنين بصلحوا فيهو ده حدو وين ما تعرف.. والعجيبة المواسير البتنفجر وتملأ الشارع موية يصلحوها الليلة بعد يوم يومين تنفجر تاني تقول بلصقوها بي لبانة أو صباع أمير أو بلفوها بمناديل تيوشس.. ولازم أنت تكون قبلان بالعذاب وراضي.. برضو في تعليم أولادك يا تدفع دم قلبك في المدارس الخاصة.. يا أولادك يتعلموا نص نص في المدارس الما خاصة. عموماً هذه نماذج لكننا أصبحنا مثل سيد الكشك هذا قابلين بالعذاب وراضين طبعاً المسؤولين ح يفرحوا.. من الموقف ده.. لكين ما مفروض يفرحوا لأنهم لازم يفكروا فى إنهم ح يسووا شنو لمواطنين مرضى نفسياً راضين بالعذاب وقبلانين.. لا ح تكون فى تنمية لا تطور لا أمل.. لا تفكير فى الغد.. حالة هذا المواطن يبدو أنها حالة عامة فهو تحدث بلسان حالنا كلنا وهذا لا يعنى إلا أن ندخل جميعاً مستشفى الأمراض النفسية وبرضو ما حنقدر نتعالج لأنو حيكتبوا لينا أدوية يا ما موجودة في الصيدليات.. يا غالية ما حنقدر نشتريها.. ترى ما رأي حقوق الإنسان؟!