في المقال السابق وتحت العنوان أعلاه تناولنا حيثيات الملتقى النوعي لقيادات المجتمع المدني الدارفوري، حول ورقة دارفور نحو استراتيجية جديدة لتحقيق السلام، والأمن، والتنمية، والذي انعقد بمبادرة من منظمتي الهيئة الشعبية لتنمية دارفور، ومنظمة وكالة التنمية الدولية- (منظمة حماية الحياة البرية سابقاً)- وقد أشرنا في المقال السابق إلى الاهتمام الكبير من قيادات دارفور الفاعلة، بالمشاركة في الملتقى وطرح الآراء والملاحظات العميقة، التي تعكس الرغبة الصادقة في إيجاد مخرج للأزمة السودانية في دارفور، مع استصحاب المبادرات السابقة، وجولات المفاوضات، التي امتدت لأكثر من ستة أعوام هي بداية مسيرة الحل السلمي للمشكلة. صوب الملتقى بصورة أساسية نحو معالجة الأسباب الجذرية التي أدت لاندلاع الأزمة، وأيضاً الإفرازات التي نتجت عن الحرب، والصراع، والتطورات السياسية، التي حدثت منذ اندلاع الأزمة وحتى الإعلان عن الإستراتيجية الجديدة من الطرف الحكومي، والتي رأى فيها فتح مسارات أخرى بجانب مفاوضات الدوحة مع الحركات المسلحة الحاضرة بالمنبر والغائبة، وذلك بغرض تحقيق عملية سياسية شاملة تنهي الأزمة وتعيد الأوضاع إلى سيرتها الأولى بولايات دارفور. كما أشرنا سابقاً فإن الملاحظات والرؤى عبرت عنها التوصيات الختامية للملتقى، والتي جاءت في المحاور الأساسية لمعالجة المشكلة من أهم تلك المحاور محور الأمن. ففي محور الأمن وإعادة الاستقرار لولايات دارفور أشارت إلى ضرورة استكمال المفاوضات الجارية بمنبر الدوحة، تحت رعاية الوسطاء الاقليميين والدوليين، وتم التنبيه إلى ضرورة إشراك كافة الفصائل التي تحمل السلاح، والتي لها وجود في الميدان في هذه المفاوضات، لتحقيق الأمن الكامل والمستدام، كما جاءت التوصيات في هذا المحور بالتأكيد على أن العملية الأمنية وتحقيق السلام حزمة واحدة، فالأمن والسلام لا يتحققان بالاتفاق مع الحركات المسلحة فقط، ولابد من الإحاطة لمعالجة النزاعات القبلية الجارية في الاقليم، والأوضاع المحتقنة بين المجموعات السكانية، وفي هذا المحور أيضاً تمت الإشارة إلى الاتفاقيات الأمنية السابقة مع عدد من الفصائل، التي انضمت إلى ركب السلام قبل أبوجا، وبعدها وأن هذه الاتفاقيات تعتبر مرجعيات للاستراتيجية، إلى جانب المرجعيتين التي وردت وهي اتفاقية ابوجا وقرارات ملتقى أهل السودان. أيضاً في المحور الثاني والذي يعتبر من الأسباب الجذرية للنزاع- وهو محور التنمية- والذي تم التعبير عنها بالتهميش وعدم التنمية المكافئة، وأصبحت واحدة من مرتكزات تصويب ولايات دارفور نحو المركز منذ فجر الاستقلال، فقد جاءت التوصية في هذا المحور بضرورة توفر الإرادة والآلية الناجزة لتحقيق التنمية في دارفور، والاستفادة من الدعم الاقليمي والدولي، والتأكيد على أهمية توجيه هذه الموارد لدارفور، وتوحيد المؤسسات القومية والولائية، ومؤسسات السلطة الانتقالية، بقيام مجلس أعلى للتنمية يتولى مهام التنسيق والتدقيق والانجاز. والمحور الثالث لتوصيات الملتقى هو محور افرازات الحرب والنزاع والآثار الاجتماعية والانسانية الناتجة عن الحرب وفي هذا المحور اكدت التوصيات على الدور الرئيسي و الاساسي لمنظمات المجتمع المدني وأهل دارفور في شراكة السلام، وتم التنويه إلى إيجابية الإستراتيجية في تأكيد هذا المنحى، وتم طرح عدد من الملاحظات لتحقيق فعالية الحوار الداخلي، من بينها الشمولية وعدم الاستقطاب والمشاركة الشاملة. أيضاً في هذا المحور جاءت توصيات الملتقى لاصلاح الآليات التي تعمل في مجال التعايش والمصالحات، وتحقيق العدالة ومعالجة أوضاع النازحين، وتهدئة المواجهات، ودعاوى تفكيك المعسكرات والعمل على خلق الظروف المواتية للعودة والاستقرار، كما أشارت التوصيات إلى أهمية التنسيق بين مؤسسات الدولة الرسمية القومية والولائية مع المجتمع المدني الدارفوري، من خلال آلية جامعة تحقق الانتماء والمسئولية للسلام المستدام في المنطقة.تلك هي باختصار أهم سمات التوصيات التي خرج بها الملتقى، ولابد من الإشارة إلى الوعي الوطني الذي صاحب الملتقى، والذي أظهر بوضوح الرغبة الصادقة من القيادات الاجتماعية لإنهاء معاناة الإنسان في دارفور، بعيداً عن الأجندات الأثنية أو الحزبية. ولله الحمد،،،،،