مواصلة لما بدأناه من تساؤلات وآراء حول الاستراتيجية الجديدة لتحقيق السلام والأمن والتنمية بولايات دارفور، والتي أطلقتها الحكومة عقب زيارة مسؤول ملف دارفور للدوحة، قبل رفع المفاوضات وبدأت الترويج لها في المستويات السياسية، والتشريعية، والشعبية، والتصريحات الإعلامية، التي أطلقها الدكتور غازي، ومن ثم ما ورد في لقاءات السيد/ رئيس الجمهورية ببعض من فعاليات دارفور عن خطط واستراتيجية الحكومة في مسألة سلام دارفور. برزت عدة تساؤلات وسط الرأي العام الدارفوري والمهتمين بقضية السلام في دارفور، تمثلت هذه التساؤلات في الجديد الذي جاءت به الاستراتيجية موضوع مقالنا، ومدى استجابتها لشواغل الطرف الثاني، ممثلة في الحركات المسلحة، وشواغل المجتمع الدارفوري المدني وتوجهات دول الجوار الاقليمي ومطالب المجتمع الدولي. أيضاً برزت تساؤلات حول الموقف الحكومي من عملية المفاوضات التي بدأت منذ قناعة الأطراف، بضرورة الحل السلمي التفاوضي، والتي انتجت بعضاً من الاتفاقيات في أبوجا، ومن ثم انعقدت هذه المفاوضات بالدوحة قبل ثلاثة أعوام بأن هذا الطريق لا يؤدي إلي السلام الشامل والمستدام، خاصة أن الاستراتيجية الجديدة أشارت في صدرها إلى التعقيدات التي صاحبت مسيرة البحث عن السلام، وأن الجهد لا ينبغي أن يستند للمفاوضات فقط، فما مدى التزام الطرف الحكومي بعملية المفاوضات التي بدأت بالدوحة في سعيها لنقل السلام إلى الداخل؟ كما أشار إلى ذلك مسؤول الملف الدارفوري بأن نسبة 80% من أوراق حل مشكلة دارفور بالداخل. توجه نقل ثقل العملية السلمية إلى الداخل، واستندت الحكومة في استراتيجيتها الجديدة إلى ضعف فرص نجاح التفاوض مع الحركات المسلحة لتحقيق السلام، إذ جاءت هذه القناعة في مقدمة الاستراتيجية، وأشارت إلى أن الانقسامات بين الحركات المسلحة والمزايدات عقَّدت عملية التفاوض، وبالتجربة فإن توقيع الاتفاقيات مع الحركات المسلحة ليس كافياً لحل المشكلة الأمنية، حيث لابد من الاتجاه إلى منهج جديد للتعامل مع الأسباب الجذرية لانعدام الأمن في دارفور. إن فلسفة نقل العملية إلى الداخل استندت أيضاً إلى الدور المؤثر للأوضاع الإنسانية في عملية السلام من خلال تفاعلها مع التقلبات السياسية المحلية والدولية، ومع عناصر انعدام الأمن وأن الأوضاع الإنسانية للنازحين واللاجئين والمدنيين، أصبحت منتجة للأزمات الجديدة التي تعرقل جهود الوصول إلى سلام في دارفور، ومن الضروري استصحاب مشاكل المتضررين من النزاعات والحرب في المعسكرات وقرى العائدين طوعياً. استندت الاستراتيجية الجديدة إلى الدور المؤثر الذي تلعبه دول الجوار الإقليمي في تعقيد الأوضاع، وفي دفع العملية السلمية إيجابياً، وإن ما لم يتم التعامل فيه في طاولات المفاوضات هو عملية تطبيع العلاقات مع دول الجوار، وهي مسؤولية تضطلع بها المؤسسات السياسية الداخلية، ومن جانب آخر فإن هناك دوراً متضارباً للمجتمع الدولي يظلل المفاوضات مع الحركات المسلحة، فالمجتمع الدولي يدعو بالحاح لتحقيق الأمن والسلام. ومن جانب آخر يقوم بتشويه الجهود الحكومية بالقرارات والمواقف المتطرفة، كما في قرارات المحكمة الجنائية. إن الهدف الرئيسي المعلن لاستراتيجية حل مشكلة دارفور هو تحقيق تسوية شاملة، تعيد الحياة إلى طبيعتها، وحددت خمسة عناصر أساسية لتحقيق الهدف هي: توفير الأمن والتنمية وإعادة النازحين والتوطين، والمصالحة والمفاوضات من خلال التعاون مع مواطني دارفور وشركاء عملية السلام. إن الهدف الرئيسي للاستراتيجية هو مبتغى كل الجهود الرسمية والشعبية والعناصر الأساسية التي توصل إلى تحقيق هذا الهدف، خاطبت الأسباب الجذرية التاريخية للمشكلة مثل التنمية، والمشاركة وأيضاً خاطبت افرازات الحرب والنزاع في معالجة الأوضاع الإنسانية، وتحقيق السلام الاجتماعي بين المكونات السكانية في ولايات دارفور، ويبقى التحدي الأكبر في مدى فعالية الآليات الرسمية والشعبية، ومدى استيعابها لمتطلبات تحقيق المرامي القيمية للاستراتيجية، وبعض من محاورها هذا ما سنواصل قراءته في المقال القادم.