تحدثنا في المقال السابق عن أهمية قيام وزارة الموارد البشرية بالمسوحات الدورية لأسواق العمل على المستويين المحلي و الإقليمي لتحديد احتياجات هذه الأسواق الآنية والمستقبلية ووضع سياسات وبرامج إعداد القوى العاملة بالصورة التي تلبي متطلبات سوق العمل المحلي والإقليمي بالتعاون مع الجهات الأخرى ذات الاختصاص مثل وزارة التعليم العالي ووزارة التعليم العام والمجلس القومي للتخطيط الاستراتيجي ومعهد دراسات الهجرة والسكان التابع لجهاز شؤون المغتربين و المجلس القومي للتعليم الفني والتقني والتقاني ومن الممكن قيام مجلس قومي للتنمية البشرية لتنسيق جهود هذه الجهات، ونتناول في هذا المقال ضرورة قيام وزارة الموارد البشرية بالتنسيق مع الجهات الأخرى في وضع الخطط والبرامج التي تعالج المشاكل التي يعانيها سوق العمل السوداني في المدى القريب و البعيد. ومن المعلوم أن هناك بعض الإشكاليات تعانيها معظم أسواق العمل في الدول النامية، بالرغم من اختلف ظروف القوي العاملة في هذه الدول من حيث وفرتها و مستوى تنميتها والسودان واحداً من هذه الدول، وتعتبر مشكلة ازدياد معدلات البطالة احد القضايا الملحة التي لا تحتمل أي تأخير وتحتاج لمعالجات عجلة، وعلى رأس هذه المشكلة تأتي ظاهرة البطالة السافرة بين خريجي الجامعات والمعاهد العليا نتيجة لضعف استيعابهم في الوظائف، في ظل التوسع الكبير الذي حدث في مؤسسات التعليم العالي، وعدم ربط السياسات التعليمية باحتياجات سوق العمل مما نتج عنه عدم مواءمة مناهج هذه المؤسسات لمتطلبات سوق العمل. و أدى ارتفاع البطالة بين الخريجين بالدفع بهم إلى القطاع غير المنظم كملاذ وحيد للعمل بالرغم من أنه هو الآخر لم يعد قادراً على توفير فرص عمل لطالبيه على مستويات مرتفعة من الدخول ، ومن ثم فإن طالبي العمل الذين لا يجدون فرصاً للعمل في هذا القطاع فأنهم دون شك يلتحقون بصفوف العاطلين مما يتطلب إجراءات ومعالجات عاجلة، أضف لذلك مشكلة استيعاب الفاقد التربوي وتأثر أعداد كبيرة من القوى العاملة بخصخصة مؤسسات الدولة فاقم مشكلة البطالة، والتي أصبحت اخطر مشكلات سوق العمل السوداني لما يترتب عليها من انحرافات سلوكية سالبة واضحة للعيان من تفكك للأسر ودخول عادات وسلوكيات غير حميدة على مجتمعنا قد تؤدي لتدمره بأسره في المستقبل، وهنالك مجموعة من العوامل ساعدت على تفشي ظاهرة البطالة لذا يجب على وزارة الموارد البشرية العمل على معالجتها بالتنسيق مع الجهات الأخرى ذات الاختصاص وعلى رأس هذه العوامل يأتي: عدم القدرة على زيادة الإنتاج القومي الحقيقي بنسبة اكبر من معدل الزيادة السنوية في عدد السكان، مما انعكس على القوى العاملة وساعد على زيادة نسبة البطالة في كل صورها المقنعة منها والجزئية، وهذه المشكلة يمكن العمل على معالجتها بزيادة الناتج القومي من خلال التنسيق مع وزارة الاستثمار ومفوضيات الاستثمار بالولايات لتحقيق لزيادة الاستثمارات التي يتوقع منها زيادة توليد فرص عمل جديدة. و يتميز سوق العمل في السودان بأنه ذو أشكال متعددة وأنماط مختلفة فهناك سوق العمل الحديث المنظم جنباً إلى جنب مع سوق العمل غير المنظم، حيث تسود المنشآت بالغة الصغر والأعمال الهامشية مع وجود بعض المنشآت التي تستخدم معدات وأجهزة متطورة كالمعالجة الإلكترونية والاتصالات الحديثة في بعض المجالات، مما أدي لزيادة أعداد العمالة الوافدة التي أصبحت احد سمات سوق العمل السوداني كنتاج طبيعي للتطور العلمي والتكنولوجي الذي يسير بخطوات أسرع بكثير من تراكم الخبرات و مهارات القوى العاملة الموجودة، مما جعل هنالك ضرورة لاستيراد العمالة الماهرة التي تمتلك الخبرات و المهارة من الخارج، ونتج عن ذلك تراجع في فرص العمل و اتساع معدلات البطالة، وخصوصاً بين الشباب الداخلين الجدد لسوق العمل والمتعلمين منهم بصفة خاصة والنساء، ومن الملامح المميزة لسوق العمل السوداني الحراك من الريف إلى الحضر وإلى خارج السودان نسبة لتدني معدلات الأجور الحقيقية، ونجد أن الجفاف والتصحر والنزاعات الداخلية فاقمت من زيادة النازحين واللاجئين، بشكل جعل هنالك ضغطاً على الخدمات وأسواق العمل الحضرية. و إذا نظرنا إلى واقع القوى العاملة الوطنية فلا توجد قاعدة بيانات يمكن الاعتماد عليها في ربط متطلبات سوق العمل ببرامج التعليم العالي والتأهيل والتدريب وبالتالي لا يوجد تناسق بين مخرجات التعليم بمساريه الأكاديمي والفني واحتياجات سوق العمل، لذلك يجب القيام بمسح القوى العاملة و تحديث قاعدة بياناتها لوضع السياسات التي تؤدي لمواءمة مخرجات التعليم لاحتياجات سوق العمل للحد من تفاقم مشكلة البطالة بالتنسيق مع وزارتي التعليم العالي والمجلس القومي للتعليم الفني والتقني والتقاني، كما يجب التنسيق مع وزارة التعليم العام في تحديد النسبة من منهج التعليم العام التي يجب تدرس للتلاميذ بغرض تأهيلهم لسوق العمل في المدى البعيد، وهنالك بعض الأمور التي يجب معالجتها بصورة عاجلة من خلال وضع خطط قصيرة لإعادة تأهيل الفاقد التربوي والمتأثرين بعملية الخصخصة ومعالجة أوضاع الخريجين من حملة المؤهلات والتخصصات غير المطلوبة في سوق العمل من خلال برامج التدريب التحويلي حتى يتمكنوا من الالتحاق بالعمل، بالتالي يمكن تحقيق بعض التوازن بين العرض والطلب على القوى العاملة، ومن الملاحظ سرعة التغير في متطلبات سوق العمل في هذه الفترة عن أي وقتٍ سابقٍ نتيجة لسرعة تطور التقنيات المستخدمة، ولذلك يجب أن تكون هنالك مرونة في مشروعات التدريب لمواكبة معدلات التغيير التكنولوجي التي تجعل في كثي من الأحيان بعض الأفراد الذين نالوا تدريباً في حالة بطالة تستدعي إعادة تدريبهم. وعليه فإنه من الضروري أن يتسلح طالبو الوظائف في المستقبل بالمعارف والمهارات والسلوكيات التي تتواءم مع متطلبات سوق العمل والمتغيرات التكنولوجية المحلية والإقليمية والعالمية, لتوفير منتج بجودة عالية يستطيع المنافسة في الأسواق الإقليمية و العالمية. الشركة العربية لإنتاج الأدوية البيطرية/ الخرطوم