قبل التحدث عن بوصلة الانقاذ المفقودة، دعونا ننظر بتمعن وفحص عن الكيفية التي أدت إلى قيام دولة الجنوب، من تمرد جون قرنق ورفاقه ودخولهم الغابة وإشهارهم السلاح ضد حكومة السودان.. وكانوا قد بدءوا مناوشاتهم بالأسلحة الخفيفة حتى تطورت إلى أسلحة ثقيلة مثل الراجمات والدبابات ويشهد على ذلك الميل أربعين وأبطاله ناس علي عبد الفتاح.. ولنسأل أنفسنا من أين لهم المال الذي اشتروا به هذه الأسلحة الثقيلة مثل الراجمات والدبابات وغيرها من الإمداد والتموين؟ هل المال من تبرعات أبناء الجنوب؟ هذا أبعد من زحل لأن الجنوبي لا يملك من المال إلا الذي يكفي طعام أسرته كفافاً..إذن من أين هذا المال؟ المال من أمريكيا وأسرائيل ولنسأل أنفسنا ما هي الدوافع التي جعلت أمريكا وإسرائيل يقومون بدفع هذا المبلغ الكبير؟ هل لأنهم رسل سلام هدفهم بمساعدة قيام دولة الجنوب المظلومين أهلها كما يدعون؟ كلا ثم كل!! لو كانوا رسل سلام كما يدعون بمساعدة المظلومين كان الأجدر بهم مساعدة الفلسطينيين الذين طردوا من وطنهم الذي عاشوا فيه منذ آلاف السنين.. إذن ما هي الدوافع التي جعلت أمريكياٌ وإسرائيل بالقيام بدفع مال الحرب الكبير المكلف؟ كما نجد حكومة الجنوب قد أوقفت ضخ بترولها وتصديره منذ عام كامل وهو يمثل 98% من دخلها القومي ونجدها الآن قائمة على أصولها بحكومتها وجيشها بل جيشها يبادر بالهجوم على جيش دولة السودان؟ فلنسأل من أين لهم المال الذي قومت به حكومتها وجيشها و هي لا تملك إلا 2% من دخلها القومي غير البترول! ينبغي لواضعي السياسة في حكومة الانقاذ أن ينظروا لهذا بنظرة حكيمة، وبتحليل ودراسة عميقة وبعين الجد والموضوعية بل أقول (بعين الخوف والفزع) لأن الأمر جللٌ ومما لا يدع مجالاً للشك إن الداعم بالمال والعتاد لمدة سنة كاملة وما قبلها يخفي وراء هذا الدعم أمر جلل! إذن لنسأل أنفسنا ما مصلحتها وماذا يجنيان من هذا الدعم وكلنا على يقين أن الإمبريالية الأمريكية ما أنتفخت بطونها وقوي عودها إلا بابتزاز الضعفاء من الشعوب ، ومصادرة ثرواتهم وهي أن دفعت إلى الجنوب ألف دولار لابد أن تجني وراءه مليار دولار تصحبه شروط خفية موجعه تجعل الجنوب دمية خاضعاً لأمريكيا تسيره بأمرها بالرموت: إذن تتضح الإجابة للسؤالين بأن دافع أمريكيا وإسرائيل ببذل المال والعتاد لدولة الجنوب ليس حباً في الجنوب!! وإنما الجنوب بالنسبه لأمريكيا وسيلة تمتطيها لبلوغ غاية تقضي بواسطتها مصالحها والحكمة الاستعمارية(الغاية تبرر الوسيلة) إذن لو سألت ماهي الغاية؟ أقول غاية أمريكيا من دعم الجنوب بالمال والعتاد، وسياسياً في مجلس الأمن هو الجشع والطمع للاستيلاء على ثروات السودان الكبرى من بترول بكميات كبيرة تحت الأرض ويورانيوم ومعادن نفيسة قيمة وأرض بكرة (سلة غذاء العالم) وثروات حيوانية مليونية كل هذه الثروات الآنفة الذكر تجعل لعاب الشركات الأمريكية يسيل. علماً بأن الشركات الأمريكية لها وزنها في توجيه وتمويل السياسة الأمريكية. وغاية إسرائيل بمدها بالسلاح طمعاً في مياه النيل وخنق الجارة مصر. وقال علماء الجغرافيا إن السنوات القادمة ستكون محوراً ل(حرب المياه العذبة) وأمريكيا تخطط بعلم بأنها لن تنال ثروات السودان هذه.. إلا بعد أن تقسم أوصاله بالنعرات العرقية الحاقدة ودعاوي التهميش.. فكما قامت بتقسيم الجنوب الآن بدأت بتقسيم قطاع الشمال وتليه دارفور، ثم الشرق، ثم تزكي الحروب بين أعراقه ثم يضعف ثم تجعل على أجزائه حكاماً وكلاء تسيرهم بالريموت، ثم تدخل الشركات الأمريكة الجشعة لنهب ثروات السودان لاسعاد شعبها وتقوية جيوشها.. هذه هي الغاية والبوصلة المفقودة لسفينة الانقاذ من التدخلات الأمريكة والإسرائيلية في الشؤون السودانية.إذن كيف تستعيد حكومة الانقاذ بوصلتها للتحكم في سفينتها التائهة من عدم فهم معادات أمريكيا وإسرائيل لهم.. ودعم حكومة الجنوب، وقطاع الشمال، والحركات الدارفورية؟ لا تستطيع حكومة الانقاذ أن تتحكم في بوصلة سفينتها إلا إذا أيقنت وآمنت إيماناً قاطعاً بأن أمريكيا وإسرائيل تسعيان بجد لتجزئة السودان إلى دويلات عرقية ليتسنى لهم الاستيلاء على ثروات السودان ومياه النيل. وسيقوم بتنفيذ هذا المخطط بالوكالة حكومة الجنوب وقطاع الشمال بالأوامر ورغم أنوفهم ومن يرفض منهم مصيره مصير جون قرن.. وليعلم مفاوضو مصفوفة أديس أبابا إنما يفاوضون المخابرات الأمريكية وراء حكومة الجنوب. وأن الهدف الأمريكي من المصفوفة هو إنسياب بترول الجنوب عبر السودان ليوقف عبء الانفاق المالي عن كاهل أمريكا على حكومة الجنوب وقطاع الشمال، ثم بعد ذلك سيوجه بالأمر جل عائد بترول الجنوب لشراء العتاد لتنفيذ مخطط السودان الجديد الذي لن يكون للعنصر العربي الإسلامي قدم فيه! وسيدخلون الحرب على ثغرات عملت بإتقان داخل إتفاقيات مصفوفة أديس أبابا التي وضعها الخبراء الأمريكيون المتمرسون بذكاء يستصعب على أعين مفاوضي حكومة الانقاذ استدراكها لهذا وجب على حكومة الانقاذ أن تستعد لحرب إستنزاف طويلة تعقبها حرب ضروس.. أولاً الاستعداد الداخلي يجب أن تعد له ميزانية حرب وتقشف وأن توقف إستيراد كل البضائع الكمالية التي تستوردها بالدولار.. وأن تمنع صرافات السوق الموازي للدولار.. وأن يكون الدولار تحت يد الحكومة في بنك السودان فقط وتحت تصرفه للضروريات القصوى.. وأن توقف العمالة الأجنبية التي هي سبب إرتفاع الدولار في السوق الموازي، لأن كل دولار يدخله مغترب سوداني من العملة الحرة، يخرجه متسلل أجنبي من السودان لبلده وهو مخطط (C.I.A) العدائي لإفلاس السودان من العملة الحرة وتدميره، كما يجب داخلياً بسط الأمن الداخلي وهو هيبة الدولة و من عصابات النيقرز ومن يسطون على البنوك ومرتبات العاملين والقطارات والذين يختسلون أموال الدولة.. كما يجب تقوية الشرطة والأمن والجيش والخدمة المدنية بشباب نشط غيور على وطنه وشرفه.. أما خارجياً فقد تضررنا بقرارات مجلس الأمن الذي تتبناه سوزان رايس في مجلس الأمن مثل القرار (2046) عن قطاع الشمال وتحت البند السابع.. علماً بأن قطاع الشمال داخل حدود السودان!! وليس دولة قائمة بذاتها.. وهذا ظلم وتدخل في شؤون السودان الداخلية؟ ولم نر الفيتو الصيني في قرارات مجلس الأمن لصالحنا! بل وجدنا السفير الروسي يتدخل دائماً لصالحنا.. فلهذا يجب التقرب إلى الروس بل يجب أن توقع معهم اتفاقيات مصالح قوية لكي يحموا ظهرنا في مجلس الأمن من قرارات البند السابع الذي تتبناه أمريكيا في كل ذريعة علينا.. ولو أدى ذلك إلى إتفاق بنقل القاعدة الروسية من طرطوس السورية إلى ساحل البحر الأحمر الذي أوذينا من قبله لأن حكمة المصلحة في هذا العصر «الشيء بالشيء» والمثل الحكيم يقول(المال تلتو ولا كتلتو) ومن الحكمة أن تضحي حكومة الانقاذ (بكيلومترين) على ساحل البحر الأحمر من أن تفقد السودان كله وخصوصاً عنصره العربي المسلم. وأخشى التأسي بقول الشاعر: ولقد أمرتهم أمري بمنعرج اللواء.. فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد *معلم بالمعاش الشمالية