«المياه» أضحت عنواناً لمواجهات مقبلة بين دول المنبع والمصب أو بالأحرى دول حباها الخالق بمنابع المياه ودول باتت تتغول على أراضي الغير بحجة صراع البقاء في الحياة ولو كان احتلالاً واستغلالاً لموارد الآخرين، والآخرون هؤلاء لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم بسبب سياسة فرّق تسد التي ظلت الدولة الصهيونية تتبعها منذ وعد بلفور عام 1917 لتحقيق مآربها، تساعدها دول الغرب بخرق القانون الدولي وفق سياسة ازدواجية المعايير وسياسة الأمر الواقع، كل هذا يحدث دون أدنى حراك فعلي لما يسمى بالجامعة العربية التي لم يجتمع فيها رأي عربي واحد، ولم تصدر قراراً يمكن أن يكون مبعث أمل للحقوق المهضومة وما تزال تهضم حتى كتابة هذا الأسطر، كما تشير الدراسات إلى أن أنهراً عدة في عدد من مناطق العالم قد تنضب بفعل تغيرات مناخية خطيرة مما يستدعي ضرورة البحث عن حلول قبل وقوع الكارثة البيئية. القادم من صراع المواجهة في الشرق الأوسط بالتحديد كان محل نقاش مستفيض لعدد من الخبراء في ندوة مركز الراصد للدراسات السياسية والإستراتيجية تحت عنوان «الأطماع الإسرائيلية في المياه العربية»، تناول فيها الأستاذ محمد الحسن عبد الرحمن مقدم الورقة إستراتيجية الكيان الصهيوني في المياه العربية والهيمنة عليها قبل تأسيس مؤتمر الحركة الصهونية في سويسرا، مشيراً إلى أن أسس السيطرة تتم عبر ثلاث دوائر وادي النيل والخليج العربي ومياه بلاد الشام «الرافدين»، حيث تعاني إسرائيل وما تزال من نقص في المياه ما جعلها تبحث عن خطط للاستفادة من فائض النيل عبر اتفاقية كامب ديفيد الموقعة في عهد الرئيس أنور السادات ونهر الليطاني اللبناني، وأضاف محمد الحسن أن إسرائيل حاولت أن تربط قضية السلام بالمياه بدليل ما أشار إليه أحد مهندسي اليهود عام 1994 فكرة قيام سوق للمياه، لأن عملية التحلية مكلفة وذلك عبر عدة مشاريع طرحتها إسرائيل آنذاك، وأشار الباحث محمد الحسن إلى أن 80%من المياه العربية تتحكم فيها إسرائيل بصورة مباشرة أو غير مباشرة، 90%منها مياه فلسطينية بينما الباقي من لبنان وسوريا والأردن، وتبلغ حاجة إسرائيل من المياه سنوياً 850 مليون متر مكعب ولا حديث حول النفط والمعادن خلال الفترة المقبلة سوى المياه باعتبارها محور الصراع القادم في المنطقة بحسب رؤية محمد الحسن. كما تطرق الباحث إلى قضايا الطاقة النووية والزراعة والحاجة إلى مياه للمشاريع، منوهاً إلى أن العرب بالرغم من اقتنائهم لأكبر حجم من الموارد المياه، إلا أنهم لا يستطيعون حمايتها لأسباب كثيرة لم يفصل في ذكرها إلا أن سياسات العالم تحتم عدم حجز المياه بعد الانتفاع بها وفق القوانين الدولية، كما تناول الباحث معالجات إسرائيل لأزمتها المائية عبر تزويد الضفة وغزة بالمياه من خارج فلسطين ونقل مياه النيل عبر سيناء والاستفادة من تعزيز مشاريع زراعية مع لبنان بالقوة أو الاتفاق وتشكيل هيئة تعاونية مع الأردن والانفراد بكافة السبل والسياسات مع بقية الدول العربية، واستمرارها في بناء السدود وبناء آبار عميقة وتجفيف الآبار العربية وإمكانية التعاون مع تركيا للتأثير على مياه سوريا والعراق لتصبح معظم المياه خارج السيطرة العربية، واعتبر محمد الحسن دور الجامعة العربية غير موفق وغير فعال في قضية إحقاق المياه لأصحابها الأصليين، وقال إن عام 1964 قررت الجامعة العربية توزيع المياه واستغلال كامل لنهر الليطاني، كما نصت اتفاقية «وادي عربة»، وطالب الباحث محمد الحسن بضرورة خلق علاقات جيدة مع تركيا وأثيوبيا وأوغندا وجنوب السودان كونها تتحكم في مصادر المياه، وتفويت الفرص على إسرائيل وتحقيق الاكتفاء الذاتي من أنهر عربية كبحيرة طبرية التي تصل سعتها التخزينية إلى 430 مليار متر مكعب، ونهر اليرموك الذي ينبع من سوريا 230 مليون متر مكعب، بينما تبلغ المياه الجوفية 1250 مليون متر مكعب، منها 350 في الضفة الغربية، بينما تقوم «تل أبيب» فعلياً وبصورة مستمرة في دفن النفايات والاهمال المتعمد للصرف الصحي في المناطق الفلسطينية مما أدى إلى تدهور الوضع الصحي لدى أغلب المواطنين الفلسطينيين. وتشير الإحصائيات إلى أن إسرائيل لو استطاعت الحصول على واحد بالمائة من نهر النيل لحققت وضعاً أفضل في سياساتها المائية ربما أغناها عن استمرار تغولها على مياه لبنان والأردن وحتى المياه في الأراضي المحتلة، ونوه محمد الحسن إلى أهمية قيام مشروع نهضوي عربي قومي للحد من سياسات إسرائيل الدبلوماسية الاقتصادية الاستخباراتية العسكرية والإعلامية. الخبير الإستراتيجي يوسف السيد بدوره ركز في تعقيبه على موضوع الندوة «الأطماع الإسرائيلية على المياه العربية» من كافة النواحي الأمنية والإستراتيجية والاجتماعية وفقاً للمنهج التاريخي الوصفي الاستنباطي التحليلي، وقال إنه لابد من الحديث عن إسرائيل ككيان مصطنع هاجرت شعوبه من كافة أصقاع العالم من يهود الشتات، أي أن الشعب هو الآخر مصطنع وينقسم إلى يهود بيض هم في القمة ويهود صفر هاجروا من أوروبا والاتحاد السوفيتي ثم يهود العرب ويهود الفلاشا. وحلل الأستاذ يوسف السيد طبيعة الصراع بين إسرائيل والعرب، مؤكداً على أنه صراع عنصر ودين وهوية وموروث حضاري، مضيفاً أن بروتكولات زعماء صهيون نصت وهي حوالي 27 بروتكولاً على أن كلمة «الغويم» مترجمة تعني غير اليهودي باللغة «العبرية» وتعني البهائم، ووفق الفكر السياسي المسيحي تعتبر مظاهر حائط المبكى تصرفات لعقلية اليهود الماكرة، منوهاً إلى أن إسرائيل تركز في فكرها الإستراتيجي على استغلال منابع المياه في أفريقيا وفق مفهوم قديم بهدف استغلال الموارد وممارسة دهائها عبر اللوبي الصهيوني ودوره في تعزيز الضغط على المنطقة العربية وأفريقيا منها خلق فتنة عنصرية بين قبيلتي «التوتسي والهوتو» في رواندا وبورندي، وأوضح الخبير الإستراتيجي يوسف السيد أن سياسة تل أبيب تقوم على الخطط التوسعية في مواردها المائية وبناء المزيد من المستوطنات خصماً على الأراضي العربية فضلاً على الهوية والثقافة، مؤكداً على أن إسرائيل لا تتورع في بناء مستوطنات جديدة مما يتطلب البحث عن مزيد من الخدمات على رأسها مياه الشرب، حيث يستهلك المواطن الإسرائيلي ستة أضعاف ما يستهلكه الفلسطيني، مضيفاً أن تل أبيب تستمر في سياسة إثارة النعرات القبلية والعرقية في المنطقة كافة.