يظل المجلس الأعلى للتخطيط الإستراتيجي- مهموماً بإرساء «ثقافة» الإستراتيجية ومحو الثقافة «التقليدية» الراسخة التي لا تغني ولا تسمن من جوع.. فإن كانت تلك أولى غاياته فإن من أهم «وسائل» تحقيقها «الإعلام».. المسموع والمقروء والمُشاهد، لا بل كل الوسائط الممكنة لنشر هذه الثقافة بوعي وفاعلية.. فقد عقد المجلس «أمانة بناء القدرات وإدارة المعرفة» دورة تدريبية للإعلاميين بعنوان «التخطيط الاستراتيجي للإعلام».. لمدة «18 ساعة مكثفة» في كبسولات مضادة للجهل بالاستراتيجية والتعريف بأهميتها.. وحقيقةً إنّ ساعةً واحدةً مع عالم وخبير كالبروف «محمد حسين أبو صالح».. تدرك بعدها مباشرةً السبب في أننا لا نزال من الدول المتخلفة النامية.. رغماً عن توفر كل الموارد الطبيعية والجيوستراتيجية.. والبشرية.. إضافة للقوة الروحية والإيمانية التي تجعلنا في قمة الهرم وفي مصاف أعظم الدول.. ولكن كيف يتأتى ذلك ونحن حتى الآن لا نملك «رؤيةً» واضحةً ولا حلماً وطنياً؟.. ولازلنا لا نفرق بين الدولة وغاياتها.. وبين الحكومة.. كيف نتقدم ونحن نضع «الاستراتيجية» آخر اهتماماتنا ونبدّد كلّ جهدنا في مصالح آنية شخصية أو محلية لا تخدم سوى بعض الأفراد.. إنّ كل الدول المتقدمة والمتحضرة «والتي بكل أسف استقت حضارتها منّا» عرفت كيف تستفيد من كل مواردها لأنّ كل الأفراد عملوا معاً من أجل غاية الدولة (حكومة ومعارضة).. أحزاب.. وجماعات ظل «الحلم والرؤية».. وماذا تود مثلاً أمريكا أن تكون.. هو الهدف الذي يسعى له الجميع على المدى الطويل كلٌُ من موقعه.. ويظل تعاقب الحكومات.. وتغير الأحزاب من موقع لآخر كلّها مجرد وسائل لكنها لا تحيد عن الهدف الأسمى.. للدولة وليس الحكومة.. فمفهوم الاستراتيجية يعني كل الأُطروحات والوسائل والأفكار المتناسقة المتكاملة التي من شأنها تحديد وتحقيق المصالح «الوطنية» وتحقيق ميزات وقدرات تنافسية عالمية.. هذا بالضرورة يستوجب بلورة المسار الاستراتيجي للدولة ...ماذا تريد الدولة أن تكون لتحقّق رفاهيةً وقوى شاملة ولتنافس عالمياً بما تملك من ميزات وموارد. زاوية أخيرة: لن نخرج من «النفق المظلم» والتخبط والدوران في ذات الساقية، نغرف من البحر ونصب فيه، ما لم نعزّز الانتماء للوطن ونتجرد من «الأنا.. والحزبية» لأجل المصالح العليا على المدى الزمني البعيد.. ربما لأجيال تأتي بعدنا!