في ظل التطور العلمي المضطرد لمهنة الطب في العالم تظل قضية الأخطاء الطبية تتصدر تحديات المهنة التي تقع إما لقلة الخبرة أو قلة الإمكانات وعدم توفر البيئة المناسبة لمزاولتها أو الضغوط النفسية المصاحبة لواقع الاقتصاد الحر، بينما تظل أيضاً في الجانب الآخر مسألة الثقة بين المريض والطبيب هي الأخرى على غير المألوف، ووفق تقارير صادرة عن الهيئة الصحية الأمريكية أشار إلى الأخطاء الطبية، وصلت في كندا وبريطانيا خلال السنوات الماضية 44-89 ألف خطأ، بينما تم توقيف حوالي (066) طبيباً في بريطانيا خلال عامي 5002-3102 بسبب تورطهم في أخطاء طبية، بالمقابل وفق حديث الدكتور فقيري حمد محمد أحمد عن الأخطاء الطبية في السودان تعتبر غير مزعجة ويعتمد الأطباء على قدراتهم الذهنية المتميزة وليس اعتماداً على الآلة الطبية، كما طالب دكتور فقيري حمد بإعادة الضبط في دراسة الطب في الكليات الخاصة لأن المهنة مرتبطة بحياة الإنسان وعلى الحكومة أن تتحكم بشكل أساسي في شروط القبول، مشيراً إلى أنه لا يعقل أن النسبة الضئيلة تجد الفرصة في قبول خاص لم تكن مؤهلة أصلاً له. من جهته أوضح الأستاذ أبو القاسم مضوي الخبير بمؤسسة حمد الطبية بضرورة تعزيز الثقة بين الطبيب والمريض لمباشرة العمل الطبي بعيداً عن الملاحقات القضائية وتأدية العمل بصورة متطورة في وقت تتصاعد المطالبة بتقنين مسألة التعويض للمريض عن الأضرار، وتناولت ورقة أبو القاسم مضوي قضية الأخطاء الطبية والبحث عن تعويض الضرر الناشيء عن الخطأ الطبي خلال ندوة نظمها مركز الفاروق للدراسات والاستشارات القانونية، إلى جانب النظم القانونية المعالجة للمسائل الطبية والمسؤولية التقصيرية للخطأ الطبي وكيفية إثباته. وتطرق أبو القاسم إلى الجهاز الموضوعي المناسب للحكم على النشاط الطبي وتحديد الخطأ ودرجاته مع الأخذ بمبدأ المادة القانونية على أن كل من تسبب في الخطأ يلزم بالتعويض، وبينما لا يزال عبء إثبات الخطأ على المريض والدفاع عن الطبيب مع استصحاب حقوق المريض في توفير سجل طبي واحتفاظ الطبيب بسرية المعلومات والالتزام بسلامة المريض إلى جانب توقع الأضرار الطبية الناتجة عن المعدات الطبية مثل جهاز الرنين المغنطيسي، عرف أبو القاسم مضوي قضية التعويض بأنها أقصى درجات التكرم في مواساة المريض.. كما تحدث أبو القاسم عن أهمية إلزام المستشفيات والأطباء باستصدار تأمين ضد المسؤولية لترسيخ مبدأ الثقة والأداء المهني دون ملاحقات قضائية، وشدد على ضرورة تفعيل دور إدارات ضبط الجودة يتساوى مع تعويض المريض. من جهته تحدث البروفيسور محمد أحمد عبد الله عن قضية نطاق المسؤولية القانونية للطبيب وتفعيل الثقة بين المجتمع والأطباء والمحامين ودور الإعلام الذي يفجر الأوضاع في علاقات الطبيب والقانوني في أغلب حالاته، منوهاً إلى دور الإعلام المسؤول في أداء دوره بصورة غير مثيرة. وقال البروف محمد أحمد أن جل الوصل مقطوع بين الطبيب والمريض وتناول أهمية رفع مستوى البيئة لتدارك الأخطاء، كما نوه إلى الوضع البيئي غير اللائق في توفير الراحة الصحية النفسية للطبيب لأداء دوره بصورة أكثر دقة ومسؤولية دون توجيه التهم واللوم عليه قبل معرفة ظروفه العامة، كما أشار إلى أن الطبيب ليست لديه حماية، واصفاً القوانين المتعلقة بمهنة الطب بالضبابية دون حصر الأخطاء في الجراحة فقط. مولانا عوض الجيد محمد أحمد القانوني الضليع- وزير العدل الأسبق قال إن الخطأ الطبي ليس قائماً بحاله، فهو ناتج عن عملية تكاملية للتأهيل العلمي للطبيب ومعيار المهارة، منوهاً إلى حقوق المستهلك ولا نعني به الصلة أو البصل، وإنما المستهلك هو الإنسان عموماً وحاجاته، ففي الغرب الجمعيات تحميك بينما الحماية ليست متوفرة في بعض القوانين بصورة واضحة، وتناول قضية تخصيص القضاء المتخصص في الأخطاء المهنية وأهمية المواكبة والاطلاع وتهيئة البيئة الصالحة. وتطرق مولانا عوض الجيد محمد أحمد إلى أن الخطأ الطبي ينقسم إلى خطئين، خطأ بشري عادي وخطأ مهني لا يتوقع وقوعه من آخر في نفس الظروف، مشيراً إلى أن الحكمة تستدعي وزن الأمور وفق غاية تطوير الأداء ليواكب تطور الدولة وضمان جودة الخدمة والحرص العام والخاص على حماية الإنسان دون الانسياق وراء النهج الأمريكي عبر التقاضي العنيف جداً وقضايا البحث عن التسويات خارج المحاكم ووسائل التفاوض البديل عملاً بحديث الرسول لا ضرر ولا ضرار. هذا وأثارت قضية سحب الخدمات الأساسية من المركز إلى الطرف نقاشاً مستفيضاً لعدد من الأطباء ودور سياسة الدولة في تعزيز الخدمات الطبية، وطالب البعض بتحديد الوصف الوظيفي لشاغلي المهنة الطبية لسهولة تحديد مسؤولية الأخطاء الطبية، بينما يظل التخدير هو الأخطر تخصصاً في مجال الطب. د. مهيب إبراهيم بدوره تساءل قائلاً من الذي يحدد الضرر الواقع المجلس الطبي أم المؤسسة الطبية المعنية، وتطرق إلى معاناة حقيقية يعيشها الاختصاصيون البعض منهم هاجر بينما البعض الآخر يظل يعمل بروح وطنية، وطالب الدولة بتفعيل البروتكولات وضرورة تسليط الإعلام على دور الطبيب السوداني الناجح والمسؤول بدلاً عن تهويل القضايا عبر الإعلام. وخرجت الندوة بعدد من التوصيات على رأسها ضرورة إصدار قانون يحدد المسؤولية الطبية وكيفية إثباتات وتحديد التعويض وتفعيل إدارات ضبط الجودة في المؤسسات الطبية وأهمية تشكيل المحاكم الخاصة وإشاعة روح التعاون والمرض وتعزيز قضايا التدريب وخلق شراكات مع الجهات الإعلامية.