هاتفني صديق عزيز من مكان بعيد معلقاً على ما كتبه أستاذنا مصطفى أبو العزائم في عموده المقروء بعد ومسافة قبل أيام عن هذه السوداوية القاتمة التي تملأ المشهد السوداني في مختلف الإتجاهات وبعد أن (أطنب) صديقي في مدح العروس آخر لحظة مشيدًا بموضوعيتها وحيويتها رجاني أن أحاور الأخ رئيس التحرير نيابة عنه متعمقاً في تناول الأسباب والعوامل التي جعلت من سوداننا الذي كان جميلاً ذات يوم قريب.. وطناً ممزَّقاً يخيم عليه البؤس، وقد أمسى عبوساً قمطريرًا تحتويه الهواجس، وتنتاشه المخاوف، ويعتريه الفقر، ويحيط به عدم الإطمئنان. يشير صديقي بأصابع الإتهام إلى النخبة السودانية تلك التي وصمها الدكتور منصور خالد- ذات يوم بعيد بإدمان الفشل، ويتهم تلك الممارسات السياسية العقيمة التي أبتلي بها السودان، فأدخلته في دوامة لم تكسب منها البلاد والعباد سوى الحزن والضنك وتقطيع الأوصال. ولئن كان أستاذنا أبو العزائم أراد أن يقول (لنفسه وعشيرته الأقربين) ومن يحب ويهوى بخطاب الفرد(لا تضحك أنت في السودان) فلعل القراء الأعزاء يعذرونه في ذلك فقد طفح الكيل وبلغ السيل الزُّبى، وليس أدل على ذلك من تلك المؤشرات المؤلمة التي ساقها الكاتب الحصيف، وهو يوميء الى ما يقرأ الناس ويسمعون ويشاهدون، عن فوضى تدق بأطنابها ،وعن أشياء كثيرة وخطيرة تحملها تلك الإشارات ولاتحتاج لمزيد كلام. وإذا كان المثل الانجليزي الشهير يقول (إن السياسة تفسد كل شئ Politics spoiles every thing فقد أفسدت السياسة في السودان كل شيء الخدمة المدنية دمّرتها اعتبارات الولاء السياسي الذي تجاوز الكفاءة والخبرة والتخصص.. والتعليم أعاقه التسييس، في المناهج والكوادر واستفحلت الأمراض السياسية التي أصابت كل شئ .. من مشروع الجزيرة الى السكة حديد، ومن النقل النهري الى الخطوط الجوية، إلى النقل الميكانيكي والمخازن والمهمات. وتجسدت مخرجات ذلك كلّه في واقع سياسي مرير، انعكست آثاره على الحياة في كل مناحيها فما عاد المجتمع السوداني كما كان ودودًا مسالماً - وما عادت الحياة المعيشية كما كانت أيام (الزمن الجميل) إذ استشرت المكايدات السياسية فأنبتت ظواهر لم تكن مألوفة، ندعو الله أن يكون آخرها ما رُوِّعت به البلاد مؤخرًا من عنف سياسي وتقتيل واغتيال، ومن خراب أهلك الحرث والنسل. تلك هي ملامح الصورة القاتمة التي التقطها صديقي من قراءته لعمود الأستاذ أبو العزائم وبالرغم من ذلك كلِّه يتطلع إلى ضوء بعيد يلوح في آخر النفق المظلم.. ويرى أن الدنيا لا زالت بخير.. وأنْ من بين السودانيين رجال ونساء لا يزالون يتوقون إلى أن تحدث معجزة، يتعافى بها السودان من هذا الداء العضال.. وأن ينتفض من أغلال العقال.. وإلى هؤلاء يتوجه صديقي- من مدينته البعيدة بآماله وندائه ومناشدته لكل(محمد أحمد) سوداني يستغرقه القلق على مستقل غامض لا يكاد يبين. وإذا كان السياسيون الحاكمون والمعارضون- قد ظلوا يتنازعون حول(مؤتمر دستوري) ينادي به البعض ويعارضه آخرون، فإن صديقي ومعه(الأغلبية الحزينة)- ينادون بمؤتمر من نوع آخر ويدفعون بمقترح يطرحونه على الشعب السوداني كلّه.. أن تعالوا إلى كلمة سواء.. أركلوا خلف أقدامكم تباينات السياسة، وتناقضات الأحزاب، وتنادوا إلى لقاء جامع تخلعون عند مداخله عباءات الانتماءات الفكرية والمذهبية الضيِّقة.. ضعوا السودان نصب أعينكم انساناً وأرضاً وتاريخاً وشعباً ..وأمةً أذاقها الله لباس الجوع بما كسبت أيدي السياسيين.. تعالوا الى مؤتمر لا سياسة فيه ولا (محاصصة) وتوافقوا على برنامج ينتشل البلاد من وهدتها، وتعاهدوا على ميثاق يعيد للسودان رونقه القديم رحمكم الله...