واليوم نعود إلى عنوان هذين العمودين.. احذروا قلم التاريخ.. وقد يسألني غشيم.. مسكين.. وما علاقة هاشم صديق وحتى خشبة المسرح وشاشة التلفزيون وذاك الإبداع والإمتاع بقلم التاريخ.. لأقول مهلاً...هوّن عليك صديقي.. هاشم في رحلته تلك والزمن.. وفي «قطره الماشي».. لا يكتب صفحات بهيرة ممتعة وبديعة.. من قلمه المترف ولا روحه السمحة وأخلاقه العالية... لا يكتب صفحات جديدة.. لشعبه ووطنه... إنه يتحدث من كوة تفتح على التاريخ... وإنه يستدعي إبداعاً وألماً ودموعاً وشخوصاً وأبطالاً و«ترسو» و«خونة».. هنا فقط يحضر التاريخ... وهنا فقط أنا بصدد التاريخ... والتاريخ أحبتي لا يرحم لا يُهادن ولا يُجامل لا يغفو ولا يهمل ولا ينام... إنه يُحصي حتى السكنات والحركة والسكون والخلجات... واهم من ظن أنه يمكن أن يفلت من محكمة التاريخ غشيم من ظن أنّه يمكن أن يهرب بفعل مشين من محكمة التاريخ... صحيح أن التاريخ قد تنطوي صفحاته ويحجب سطورها... تراكم الشهور والدهور والسنوات... ولكنها حتماً ستبرز ساطعة في يوم من الأيام... وعلى ذكر التاريخ دعوني أطمئن مجموعة هائلة من الذين ارتكبوا ما يندى له الجبين في حق وطنهم وشعبهم وأمتهم... فأنا اليوم لن أحدثكم عن القتلة الأصيلين أو المأجورين... لن أحدثكم عن الذين انتهكوا إنسانية مواطنيهم بالأصالة أو الوكالة فهؤلاء سوف يأتي يوم.. قبل يوم الحساب.. حيث كل شيء بيد الملك القهار... يأتي يوم يعرف فيه الناس... ما ظل غامضاً معتماً...مضروباً عليه شاهق الأستار والأسوار.. حيث تضاء مصابيح.. الحقيقة.. وأنوارها الباهرة تفضح كل من اقترف جرماً وارتكب إثماً وأتى ظلماً.. وعاش قبحاً .. عندها سيعرف الناس والأهل والزوجة فالأبناء.. كم هو وضيع من كانوا يظنونه عموداً وركناً... للخيمة... هنا أتوقف مُكرهاً مُجبراً وعامداً.. ولن استعجل التاريخ.. دعوني أدعه يمضي على مهل.. فهو حتماً ويوماً وعندما تحين لحظة الإظهار والإشهار والإعلان سوف يعلن عن الأحداث المزلزلة وأبطالها الذين لن يهربوا من محكمة التاريخ... وأعود إلى هاشم وأوراق هاشم وحلقات هاشم وقد ظل الرجل وطيلة ثلاثين يوماً وهي عمر رمضان الكريم.. يتحفنا بورقة من التاريخ.. يتلو علينا وعبر الأثير... وفي الهواء الطلق... وعبر الفضاء.. وعلناً وجهراً... أحداثاً جابهها وعاشها الوطن وبالصدق فقد كان الرجل يسرد لنا ما كان خافياً علينا... حتى بتنا لا نعرف إن كان الرجل يحكي عن السودان ذاك البديع الجميل الوسيم المُتحضّر... أم أن الأمر قد اختلط عليه وبات يحدثنا عن «كابول» و«قندهار» و«الملا عمر» وصدقوني إنّي كنت كثيراً جداً أكذب أذني وأنا استمع إلى الرجل وطفقت أسأل نفسي هل كل ذلك حدث في السودان؟؟ وتحديداً في الخرطوم... بل حدث في استوديوهات الإذاعة والتلفزيون. قال هاشم في معرض سرده وحديثه عن الدراما إن أحد العلماء قد أفتى بحرمة أحد المشاهد... كان المشهد يحكي «وفي المسرحية» طبعاً يحكي عن زوج وزوجة وطبيعي جداً أن يتقمص أحد الممثلين دور الزوج وإحدى الممثلات دور الزوجة هنا قال «مولانا» إن هذا حرام.. وعندما سُئل كيف ذلك يا مولانا قال يجب أن تكون الزوجة الممثلة هي الزوجة الحقيقية للممثل... ثم عندما أخبروه أن هذه الممثلة لها زوج بالفعل... هنا أفتى بأن يطلقها زوجها الحقيقي ويتزوجها الممثل حتى يكتسب الدور شرعيته... وبعد أن تنقضي أيام أو شهور المسرحية يطلقها الزوج الممثل ثم تعود إلى زوجها الحقيقي ليتزوجها مرة أخرى... وهنا لست أدري ماذا أقول وماذا أنتم قائلون... وهل ننخرط في نوبة من البكاء.. أم ننفجر في فاصل من الضحك.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.. وصدقوني فقد وجدت العذر وزالت دهشتي وذهب غضبي عندما اجتاحتني غضبة مضرية هائلة.. وأحد «أباطرة» التلفزيون «يفتي» بأن تكون المرأة الممثلة في أي دراما «متلفحة» بثوبها كاملاً.. وهي تؤدي دور امرأة في المطبخ... وحسبنا الله ونعم الوكيل... ومازلنا مع هاشم وهو يكشف عن ورقة تحكي وجعه وظلمه من التلفزيون ورقة تنصف إلى حد محدود... الأستاذ سبدرات فقد حكى هاشم أن سبدرات وكان وزيراً للثقافة قد قاد حواراً طيباً وجاداً لإعادة هاشم إلى التلفزيون وتم اجتماع تمخّض عنه صياغة بيان يلبي مطالب هاشم وصيغ البيان بحضور الوزير شخصياً.. ولدهشة هاشم فقد أذيع البيان بعد أن تقطعت أوصاله وعبثت به أيد.. بالإضافة والحذف والكذب والتلفيق والافتراء وهنا قال هاشم إن السيد الوزير سبدرات أخبره بأن لن يطالبه بالعودة إلى التلفزيون... وأردف قائلاً إن «هؤلاء» «يسنسرون» كلمات الوزير شخصياً وهنا نقول بل يقول التاريخ للوزير سبدرات إن التاريخ يسجل لك في اعتراف مبهر دورك المقدر في هذا الأمر ولكنه أي التاريخ يسجل عليك موقفك ما بعد التزوير تزوير البيان ويسألك التاريخ مدهوشاً لماذا بقيت وسط هؤلاء بعد كل الذي حدث.. لماذا بقيت معهم.. عشرين سنة وتزيد؟؟.