لم يستقر شعر ضيفنا الذي لم يستطع احد أن يحصي عدد أشعاره وكتاباته حتى اليوم لانه مازال حبيساً في اشرطة الكاسيت والدفاتر ولم تطبع منه سوى ثلاثة دواوين الاول كان عام 7491 والاخران احدهما كان عام 5002 وقامت بطباعته هيئة الخرطوم عاصمة للثقافة العربية والثاني قام بطباعته والي ولاية الجزيرة السابق الفريق عبد الرحمن سر الختم. والفرق بين طباعة الديوان الاول والثاني «85» عاماً ،وهنا يقول عنها ضيفنا الشاعر محمد عثمان عبد الرحيم: «توقفت طباعة اشعاري ولكنني لم اتوقف عن كتابة الشعر لان الشعر هو رئتي التي اتنفس بها وسيفي الذي اجاهد به». وبلغ محمد عثمان عبد الرحيم من العمر «59» عاماً يتنفس خلالها شعراً وطنياً خالصاً، ومازال يكتب الشعر بكلتا يديه كأنه يخاف ان يفلت منه بيت شعر واحد، ولذا تراه في سباق محموم مع الزمن. زارنا الشاعر الكبير بمدينة رفاعة مسقط رأسه وقضت معه اكثر من «27» ساعة بحثت خلالها في دفاتره واضابيره، فخرجت بما يستحق الاحتفاء به.. ٭ استاذ محمد عثمان.. بدءاً نريد ان تحدثنا عن البداية والنشأة؟ - انا ولدت بمدينة رفاعة في عام 4191 ونشأت فيها وكان معي اخوان هما محمد حسن عبد الرحيم وعلي عبد الرحيم، وعشنا في منزل واحد، وكانت الوالدة بعد وفاة الوالد الذي توفى في عام 7191 بالابيض ودفن فيها، فدخلت اولاً خلوة الخليفة الحسن محمد ومنها انتقلت الى خلوة الشيخ احمد يوسف نعمة وفيها اكملت «جزء عم وجزء تبارك» وبعد هذا التحقت بالكتاب حوالي عام 8191-9191 برفاعة وكان كتاباً رسمياً يشرف عليه الشيخ بابكر بدري. وفي هذا العمر لم تكن لدي علاقة بالشعر، ولكن عندما دخلت المدرسة الابتدائية بدأت نظم الشعر، وكنت لا اميل الى الشعر العاطفي بل كنت انظم الشعر السياسي، لان همي كان محاربة الانجليز الذين كانوا يسيطرون على البلد وعلى الناس ويكونون حكومات «زي ما عايزين» وادارات اهلية تحقق ارادتهم، وبعد ان اكملت الابتدائي التحقت بكلية غردون التذكارية ما بين 8291-1391 وبها درست المحاسبة. ٭ من من الذين زاملوك بكلية غردون، وما مدى وعيكم في تلك الفترة بقضايا الوطن؟ - بصورة عامة تلك الفترة كانت مفصلية في حياة السودانيين، ومن الذين زاملوني في ذلك الوقت خليفة محجوب، محمد الحسن حمد، واخرون وهؤلاء كانوا اصدقائي، فكنا نتقاسم هموم الوطن ونتناول قضاياه بصورة جماعية، وبعد انشاء اتحاد الطلبة داخل الكلية عقدنا اجتماعاً ودعونا اليه الطلاب، وتحدثنا في هذا الاجتماع عن قضايا الوطن. ٭ هل هذا هو الاجتماع الذي قاد الى الاضراب الشهير بكلية غردون؟ - لا الاضراب الشهير كان في عام 1391،وكنت عضواً في اللجنة المشرفة على تنظيم الاضراب؛الذي كان بسبب قرار حكومة الاستعمار الذي قضى بتخفيض مرتبات الموظفين بتوصية من الادارة الاهلية وقد اشترك في تنظيمه طلاب السنة النهائية من طلاب الهندسة والمحاسبة والكتبة، فكل هؤلاء اجتمعوا من اجل مناقشة الامر، واخيراً ا تخذوا موضوع تخفيض المرتبات ذريعة للاضراب، وكان الطلاب واعين جداً افاستبعدوا الطلاب الذين يدرسون الطب لان السودان في تلك الفترة كان يحتاج الى الاطباء، فاستمر الاضراب حوالي يومين، وكان قد ازعج الاستعمار جداً، فقاد وساطات كثيفة بواسطة الاحزاب السياسية والزعماء الوطنيين. وعندما فشلت هذه الوساطات امر المستعمر بقفل الداخليات وقطع الغذاءات، وبعد هذا رأى اللاب ان السيل قد بلغ الزبى ولابد من ارجاع الطلاب الى مدنهم وقراهم وقد كان. ٭ بعد تخرجك عملت مدرساً بمدارس الاحفاد.. حدثنا عن تلك الفترة؟ - نعم مدارس الاحفاد كانت تضم كتاباً ومدرسة بنات، وكان شقيقي الاصغر علي مديراً بمدارس الاحفاد فالتحقت معهم مدرساً بالمدرسة الابتدائية اقوم بتدريس اللغة العربية، وبعد فترة قليلة لم يرق لي العمل مدرساً، ورجعت الى اصلي في وسط الشعب، وكنا نقيم المحاضرات في الاندية والميادين، وكانت هذه المحاضرات تمس الانجليز بصورة مباشرة، وكذلك الادارة الاهلية التي كانت اداة للمستعمر؛ثم التحقت بالسكة حديد بعطبرة،وهي الأيام التي كانت كلها نضال وكفاح، وكان معي الطيب حسن ومحمد احمد الطيب ومحمد عمر ادريس وعمر درواوي. ٭ ديوانك الاول «رياض الامل» طبع عام 7491 بالقاهرة وقدمه الشاعر الكبير ابراهيم ناجي.. حدثنا عن علاقتك بهذا الشاعر ذائع الصيت؟ - انا لم التق بالشاعر ابراهيم ناجي، ولكن صديقي حسن درواوي كان صديقاً لابراهيم ناجي فاعطاه ديواني الاول، وعندما اعجبه قدم له في طبعته الاولى التي صدرت منها في ذلك الحين «1.500» نسخة. ٭ استاذ محمد عثمان.. الفرق الزمني بين ميلاد ديوانك الاول والثاني «75» عاماً.. ما هي اسباب هذا التأخير؟ - حقيقة توقفت طباعة اشعاري ولكن لم يتوقف تأليف الشعر عندي. ٭ قصائدك اخذت سمات الخلود؟ - نعم لانني كنت متأثراً بشعراء كبار امثال البارودي وغيره من الفطاحلة. ٭ انت افريقي اسود ولكن اشعارك تنضح بالعروبة.. لماذا هذا الانحياز الواضح؟ - انحيازي للعروبة جاء من انحيازي للادب العربي لانني اعشق الادب العربي، وقد اطلعت على كل نفائسه. ٭ ما هي احب قصائدك الى نفسك؟ - والله كان قصائدي محببة لدي، ولكن «انا سوداني» لها وقع خاص في نفسي. ٭ هل لميلادك هذا النشيد الخالد قصة؟ - بصراحة عندما فكرت في كتابة هذا النشيد اردت له ان يحمل سمات العروبة فيمجد ادبها وابطالها وهكذا اتى نشيد «انا سوداني». ٭ يعاب على نشيد «انا سوداني» انه يمجد العروبة ولم تذكر يه الافريقيانية؟ - نعم هذا النشيد يمجد العروبة ولكنه ايضاً يمجد السودانيين بصورة عامة. ٭ ما هو رأيك في المسرح؟ - المسرح مهم جداً، ولذا كنت قد الفت مسرحية اسمها «تضحيات محب» ناقشت فيها غلاء المهور. ٭ اكثر من نصف قرن وانت تكتب الشعر، هل مازال في مخيلتك بيت شعر؟ - «ضاحكاً» لدى الكثير حتى الان. ٭ قصائدك اتسمت بطابع الخلود؟ - لاننا كنا مخلصين في ما نكتب ونقول، لذا اخذت كلماتنا طابع الخلود وحفظها الناس ورددوها فيما بينهم. ٭ كيف التقيت بالعطبراوي؟ - حقيقة انا كنت معجباً بالعطبراوي وبصوته. ولكني لم اذهب اليه، بل هو الذي جاءني بواسطة صديقي الطيب حسن، فاعطيته نشيد «انا سوداني». ٭ من الذي تغنى باشعارك غير الفنان الكبير العطبراوي؟ - تغني لي الخير عثمان باغنية «الملامة» وانا صراحة ارفض ان يُقال عني شاعر غنائي، لان الشعر عندي نضال وكفاح. نقلاً عن مجلة اطياف اعداد :محمد عبدالباقي